الملحق الثقافي:آنا عزيز الخضر :
صخبٌ، تكنولوجيا، حروبٌ، صراعاتٌ عالمية سياسية، واقتصادية، وثقافية.. حربُ فضاءٍ، سباق تسلّحٍ، فضاءٌ شاسعٌ يفتح ذراعيه لكلّ تناقضٍ، مانحاً كلّ الأطراف والأطياف مبرراتها.. لهاثٌ مسعورٌ نحو جمع المال. بحثٌ متنمّرٌ للفوز على الخصمِ في كلّ مجال.. تنافسٌ في كلّ شيء.. عالمٌ مزدحم، بحرٌ بلا ضفافٍ، تتلاطم أمواجه ولا تهدأ..
كلّ هذا لانهاية له، ويُفسد كلّ شيءٍ بأهواله. وحدهُ الحب من يتمكن من إقصائه عندما يحضر، ويختصره الإنسان بحالةٍ متفرّدةٍ، يرعاها فتسمو أكثر فأكثر.
إنه الأهم، بل المحور في كلّ شيءٍ، ففيهِ كلّ المعاني والقيم، ويتغلّب على هذا العالم المضطرب، برقيِّ معانيه التي تحافظ على كلّ ما هو إنساني.
نعم، هو الحب، عندما يتحوّل إلى أيقونة حقيقية، تفرض نفسها على كلّ الأفكار، حقيقة لا تتغيّر وتبقى الأولى، وكلّ شيءٍ من دونها حكماً. حقيقة جميلة نبتهل كي تكون الأهم، بل هي الأهم، مهما تشابكت وتداخلت الوقائع والحقائق والمفاهيم، خصوصاً تلك التي أفرزها ذلك الضجيج، كي تتجلىّ فطرة الإنسان الأنقى، جلاء الشمس.
هنا تكمن أهمية المسرح، عندما يكون قادراً على تصوير هذه المعادلة الدقيقة، وعلى نقل هذه المعطيات الإنسانية بغناها وأبعادها وحقيقتها، وهذا ما دار في العرض المسرحي “الأشجار تموت واقفة”، لـ “أليخاندرو كاسونا”، والذي هو من إعداد وإخراج: “هشام كفارنة”. المسرحي الشاعر، المأخوذ بعالمِ الإنسان الجميل بنقائه، وهو ما يظهر ضمن العرض وتفاصيله.
بدأ العرض تزامناً مع الاحتفالية بيوم المسرح العالمي، على صالة مسرح الحمراء بدمشق، وكانت عوالمه منسوجة بمفرداتِ الحبِّ والمحبة، كعنوان يتمسّك به البشر، يعيشون ويستمرون، يشعرون ببشريّتهم، ويحقّقون إنسانيتهم، فهم يرون الحياة من خلاله، حيث يجب التمسك به مهما كان، فهو الحقيقة المنشودة والهدف المأمول.
قُدّم العرض في أجواءٍ، تجسّد جماليات الحب في أبسط أحواله وأجملها، وذلك حين تنتظر الجدة طويلاً عودة حفيدها، ثم يقنع الجد أحدهم، بأن يقوم بدور الحفيد، بعد أن فقد الأمل بعودته، فتعيش الجدّة أياماً مريحة وسعادة كبيرة. فجأة، يعود الحفيد الحقيقي، ويتبيّن أنه مازال حيّاً يرزق، ترفضه الجدة التي كانت قد اقتنعت بأن الآخر البديل هو حفيدها. لكن الآخر الحقيقي، أراد المال مقابل سكوته على التمثيلة التي صُنعت من أجل سعادة الجدة، وعندما تمَّ رفض طلبه، اعترف للجدّة بالحقيقة، وأيضاً طلب المال منها حتى يسكت، فرفضته ولم تعطه ما طلب، وشعرت بأن حبها النقي كان للحفيد المزيف، لا للحقيقي الجشع، الذي سعى لبيع كلّ شيءٍ بالمال، حتى أهله.
إذاً، ما عاشته الجدّة مع الحفيد المزيف، من حبٍّ وصدقٍ وإنسانية، هو البديل الأهم من الحقيقة البشعة.. الحقيقة الافتراضية التي تمَّ استحضارها إلى أحداث العرض، كدعوة صريحة لعودة الإنسان إلى الحبّ، وهي الحالة التي تكفل تجاوز إشكاليات كثيرة، ذلك أن هذا الحل يجب أن يكون نصب أعين الجميع، لأنه يعيد البشر إلى إنسانيتهم التي قزَّمتها ملامح العالم الحديث، بسبب ذلك السعار الذي استشرى تحت عناوين كثيرة، ليترك بصماته على القيم والأخلاق والطبائع البشرية.
حتماً، ﻻ بدّ من وجود من يصحّح كل تلك الموبقات التي تنال من الإنسان في كلّ زمانٍ ومكانٍ، وفي كلّ المجتمعات البشرية، وهنا استُخدم النص الأصلي قصداً ودون تغيير، وببيئته المحلّية، لتتّضح عمومية الفكرة المطروحة أكثر، وتحديداً لكونها، ترتبط بالإنسان.
التاريخ: الثلاثاء6-4-2021
رقم العدد :1040