«بالفنِّ وجماليّته.. نواجهُ الحقد والكراهية»

 

الملحق الثقافي:إلهام سلطان:

كلماتٌ هي بوح فنان أشبه بسفينةٍ لا يرسو شراع إبداعها. فنانٌ أتى من زرقة أمواج البحر الهائج، ومن تفاصيل رملِ شاطئه اللازورديّ الذي لا ينتهي، ومن أسرار محارة المخبّئ بين نسماته ألق الإبداع. من عمريت سر الأسرار، والتي أهدت للعالم مسرحها، وقلعتها، وألوانها، وفنونها، ورنين جمالها.
من صرخة الجبال الهادئة، التي تحكي للعالم قصة حضارتها، والتي تحمل بين ثناياها ريشة ملوَّنة بسحر قوس قزح، راسمة البيوت المعتَّقة بالحكايا، بوشوشات الحب، وأحزان الحرب، وألوان الوجوه التي تضجّ فرحاً، ألماً، فرحاً، أو حزناً وانكساراً.
إنه الفنان التشكيلي “محمد هدلا” الذي ولد من محارة ساكنة في أعماق زرقة البحر، وسحر أرجوانه. ذات دوار لفظ هيجان البحر محارته، فاستقرَّت على حصى شطآنه، ليولد ماردها الإبداعي.
في مدينة ساحرة اسمها “عمريت” فتح عينيه على بيوتها القديمة، ونوافذها الصغيرة الساحرة المطلّة على البحر، فأصبحت أبجدية لوحاته رسم هذه البيوت كفسيفساءٍ منسوجة، عزفها على أبيض لوحاته، أروع سيمفونية لونية.
أسكن في ذاكرته الإبداعية البحر، وأسراره، وعمقه، وألوانه، وضجيج صمته، فأشرق المارد فناناً بريشةٍ من ضوء.
“هدلا” الممزوج من عبق الأرجوان وزرقة الحلم، قادماً إلينا حاملاً تاريخ عمريت ومسرحها وقلعتها وواديها وجبلها. حاملاً نبضه الأزرق الذي رشفه من زلال محارته، التي تحكي قصة سورية الإنسانية والتاريخ والحضارة.
للوحاته حكايا لا تنتهي …
عشتار المرأة في لوحاته، هي العالم الذي رسمه على مساحة لوحته، جمالاً، وفكراً، وإشراقةً، وحضوراً، وحياة بترانيمٍ قرمزيّة.
نعم، المرأة هي نبض لوحاته، سواء أشرقت في عمله بشكلها الواقعي، أم التعبيري، فهي رحيق ذاكرته الوجدانية.
الورد في نبض ريشته، له سوريالية خاصة، تلوّنها أنامله برنينِ روحه التواقة للجمال.
له تقنياته الخاصة في رسم عوالمه، التي أدخل عليها تقنية الكولاج من قصاصات الورق والجرائد، ولرمل البحر من شطآن مدينته طرطوس. الرمل المنثور في عالمه الفني، مساحة خاصة في لوحاته، مما يضفي عليها ضياء وتميّزاً .

11.jpg

مراكب جزيرة أرواد التي كوّنت مخيلة ذاكرته، هذه الجزيرة الضاربة في عمق التاريخ، أصبحت مراكب لوحته البيضاء، وحولت أبيضها إلى أزرق، حتى أصبحت تنطق بإبداعِ روحه الفنية.
لوحاته مدارس متعددة في مدرسة واحدة، بين الواقعية والرمزية والتعبيرية، كوّن مدرسة خاصة به.
تفاصيل لوحته، سردياتٌ من رقيِّ فكره وروحه التي لوَّنتها شهقة نوارس البحر، ورسمت معالمها طرطوس القديمة، بحاراتها، وأزقتها، وبيوتها المتلاصقة، وحميميتها وسحر جمالها.
هو الفنانُ البحر، نثر على رملِ وحصى شطآنه، وفي أعماقه، كلّ سحره الفني، حتى أصبح بألوان لوحاته، وإيقاع خطوطها، قصيدة زرقاء.
العمارة القديمة وتشكيلاتها الجمالية تلاوين أنامله، فلكلِّ حجر، ولكلِّ نافذة، ولكلِّ بابٍ، ولكلِّ زقاق من أزقة طرطوس القديمة، نبضٌ خاص في مساحة لوحته.
جزيرة أرواد الساحرة التي تشع على شطآن مدينته، تتلألأ في زرقة لوحاته وميض من ضوء.. سحر الألوان وانسيابية الخطوط في عالمه الفني، عالم تتراقص الحياة فيه بلا مدى، وعلى بوح روحه التواقة للجمال، فتخرج من أقفاصها خارج الأفق، وبلا قيدٍ، لترسم في عالمه الفني التعبيري، بعيداً عن الواقعي، مسارات الجمال الإنساني.
“هدلا” هو ذاته، هو البحر، بصمتهِ الساحر، وهيجانه الإبداعي. بمراكبه وزرقة أمواجه، وهو الزهور برقتها ووجدانيَّتها، وهو جماليّة عمارة طرطوس القديمة، ورمزيتها عبر التاريخ.. هو مراكب مدينته في تجوالها وسكونها.
كلّ هذا رسمه في لوحاته بعفوية وتلقائية، من خلال منهجه الخاص، وبصمته المتفردة بخطوطها وألوانها وتكويناتها الإنسانية والتجريدية.
الطبيعة والرمل البحري، صرخة النوارس، مفردات لوحته التي ترسم تفاصيل روحه الشغوفة بكلِّ ذرة تراب من تاريخ وحضارة أرضه.
أقواسٌ، قباب، قناطر، أدراج، ونوافذ مشرَّعة للريح، للحبِّ، للأمل، للفرح، واعدة بغدٍ أجمل، يلوِّنها بألوان فيروزية، وخطوط تأخذ مداها من ليلكة العطر، راسمة حدود الصبح بعبق الخلود، ووروده المعطَّرة بترانيم الضوء.
هو الغروب الذي يلوِّن اللحظة السرمدية، بتلاطم أمواج البحر الهائج الذي يحكي للمراكبِ قصيدة الماء.. قصيدة الأرض والسماء.. قصيدة الإبداع.
تفاصيل اللوحة من ناحية التكوين
الألوان، التعبير، التقنية، الأدوات، ونبضه الذي يسطّره على مساحة لوحته البيضاء، بشمسٍ تشرق من مخزونه الفني والفكري والمعرفي.
هذا هو الفنان “هدلا”، الذي حمل في تفاصيل ريشته، هدير موج الإبداع، وزرقة الحلم، وطيوف ذاكرته الطفولية.
كيف لا؟!! وهو ينتمي بثقافته وألوانه، للعمارة الرملية والقوارب الخشبية، للمدينة البحرية التي تركت تأثيراتها الجوهرية على لوحاته، فكانت هذه العوالم إشراقات لا تغيب.
منذ تخرجه في كلية الفنون الجميلة عام 1977 لم يتوقف الفنان التشكيلي عن البحث في عوالم الفن، لتكوين عملٍ ذي بصمةٍ بصرية خاصة، عمقاً وشكلاً، وذات أبعاد جديدة، مبنيَّة على ثقافةٍ فكرية فنية، نهلها من أبجدية مدينته الساحرة.
بطاقة تعريفٍ بالفنان
الفنان التشكيلي “محمد هدلا” من مواليد طرطوس القديمة 1952، خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق.
عيّن مدرساً وموجهاً لمادة الفنون، وأقام خلال مسيرته الفنية الطويلة أكثر من ١٥معرضاً فردياً في عددٍ من المدن السورية، وفي دولٍ عدة مثل فرنسا وإسبانيا ولبنان ومركز الصحافة الأجنبية.
شارك في العديد من المعارض الرسمية والخاصة، وكان له دوره التربوي الريادي، وقد قام بجولة اطِّلاعية على تظاهرةٍ فنون الفياك FIAC 2000 في باريس، كما أقيمت له معارض في صالة طرطوس القديمة، وصالة عمريت وغيرهما، وقام بزيارة عدة متاحف، في موناكو وإسبانيا وفرنسا، وهو عضو لجنة تجميل مدينة طرطوس.

التاريخ: الثلاثاء6-4-2021

رقم العدد :1040

 

آخر الأخبار
من رماد الحروب ونور الأمل... سيدات "حكايا سوريا" يطلقن معرض "ظلال " تراخيص جديدة للمشاريع المتعثرة في حسياء الصناعية مصادرة دراجات محملة بالأحطاب بحمص  البروكار .. هويّة دمشق وتاريخها الأصيل بشار الأسد أمر بقتله.. تحقيق أميركي يكشف معلومات عن تصفية تايس  بحضور رسمي وشعبي  .. افتتاح مشفى "الأمين التخصصي" في أريحا بإدلب جلسة حوارية في إدلب: الإعلام ركيزة أساسية في مسار العدالة الانتقالية سقوط مسيّرة إيرانية بعد اعتراضها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي في  السويداء.. تصاعد إصابات المدنيين بريف إدلب تُسلط الضوء على خطر مستمر لمخلفات الحرب من الانغلاق إلى الفوضى الرقمية.. المحتوى التافه يهدد وعي الجيل السوري إزالة التعديات على خط الضخ في عين البيضة بريف القنيطرة  تحسين آليات الرقابة الداخلية بما يعزز جودة التعليم  قطر وفرنسا: الاستقرار في سوريا أمر بالغ الأهمية للمنطقة التراث السوري… ذاكرة حضارية مهددة وواجب إنساني عالمي الأمبيرات في اللاذقية: استثمار رائج يستنزف الجيوب التسويق الالكتروني مجال عمل يحتاج إلى تدريب فرصة للشباب هل يستغلونها؟ تأسيس "مجلس الأعمال الأمريكي السوري" لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دمشق وواشنطن تسهيل شراء القمح من الفلاحين في حلب وتدابيرفنية محكمة سوريا تلتزم الحياد الإقليمي وسط تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران مدينة طبية في إدلب..خطوة جديدة لتعزيز القطاع الصحي