الثورة أون لاين- ريم صالح:
هل منهج “الليبرالية الحديثة” حقاً، وكما يروج البعض هو الحل لقضايا الإنسان، بل والنموذج الوحيد في مجال السياسة والاجتماع من دون منازع ومنافس وعلى مستوى العالم؟، أم إن وراء الأكمة ما وراءها، ولاسيما أن هناك من يكنز مليارات الدولارات عبر تبنيه وتسويقه لمفاهيمها؟.
وإذا كانت “الليبرالية الحديثة” فعلاً هي المفتاح لكل الأزمات والمشاكل، فكيف يمكن للمنظرين لها أن يفسروا لنا كل الخراب والدمار الذي خلفته الليبرالية الأمريكية على مختلف الصعد الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والأخلاقية، والأهم الإنسانية؟.
بل كيف لهم أن يبرروا لنا إيمانهم بالحرية، وتنظيرهم الخلبي حولها، إذا كان أحد منظري الفكر الليبرالي، ومؤسسيه المدعو جون لوك، والذي كان ينادي بترسيخ البعد الفردي، وينٌظر لحق الإنسان بالحرية، كان في الوقت نفسه يعمل في تجارة العبيد؟.
فجون لوك هذا كان أحد المستثمرين في شركة نالت احتكار تجارة العبيد (عبيد لم يستعبدوا جرّاء حرب بل كانوا من النساء والأطفال) وذلك في ساحل أفريقيا الغربي، وكذلك في “الشركة الأفريقية الملكية”، التي قامت ببيع 90 ألف عبد، في سنواتها الـ 16 الأولى، ونقلتهم إلى حقول الزراعة في المستعمرات الأميركية.
ألم تناقض “الليبرالية الجديدة” نفسها بنفسها حين ادعت إيمانها بحرية فتح الأسواق والحدود أمام البضائع، ولكنها في المقابل رفضت حرية مرور الأفراد والعمال عبر حدودها؟، الأمر الذي بدا جلياً في تعاطي الليبراليين الغربيين مع المهاجرين عموماً، واللاجئين السوريين خصوصاً؟.
ويبقى اللافت هنا أن داعمي هذا التوجه الليبرالي سرعان ما يهاجمون أي شخص ينتقد الليبرالية ويكشف عيوبها، والاتهامات جاهزة، ومعدة سلفاً، ولا تحتاج إلا إلى سحبها من الأدراج، فمن ينتقد الليبرالية حسب مفاهيمهم المغلوطة ينتقد الحرية ويمجد الاستبداد والديكتاتورية، باعتبار أنهم ينطلقون في ليبراليتهم من تمجيدهم للفردانية، أي للأنانية المطلقة، وتغليب مصلحة الفرد على المصلحة الجماعية.
لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن المطلوب اليوم هو تحرير الإنسان من الليبرالية، فهي كارثية بكل المقاييس والمواصفات، والكلام هنا ليس لنا وحدنا وإنما هو خلاصة فكر أدباء، وباحثين، وسياسيين، لهم باع طويل في مجال البحوث الليبرالية، فهي جلبت الحروب، والدماء، واللا عدالة، والكساد العظيم، والانحلال الأخلاقي، وحولت البشر إلى عبيد لدى صاحب رأس المال.
المنظِّر والفيلسوف السياسي جون ميرشايمر، في كتابه “الوهم الأعظم.. الأحلام الليبرالية والواقع الدولي”، أكد أن أهم عيوب الليبرالية السياسية، هو التركيز المفرط على الفردانية، حيث إنها تتجاهل أن البشر في جوهرهم كائنات اجتماعية، حيث إنهم يولدون وينشؤون ويتفاعلون في سياق جماعي، وليس بمعزل عنها، أيضاً من عيوبها أنها تدمر الروابط الاجتماعية بين الأفراد، وبالتالي تفكك وتمزق المجتمعات، كما أنها ستؤدي إلى مزيد من الحروب والصراعات والعمليات الإرهابية التي لا تنتهي، واستشهد الكاتب بما جرى بسورية وبليبيا كشاهد على ما خلفته الليبرالية الأمريكية.
ويضيف ميرشايمر أن ما يسميه بـ “الليبرالية المستحكمة” كسياسة خارجية أمريكية كان محكوم عليها بالفشل وذلك منذ عام 1989، لاصطدامها بمفاهيم القومية والواقعية، فمثلاً إذا ما تعارضت القومية مع الليبرالية، فإن القومية تنتصر دوماً، فعندما حاولت أمريكا احتلال العراق لنشر ما زعمت أنه قيم الليبرالية، فإن العراقيين يعرفون أنفسهم على أنهم عراقيون أولاً حتى لو كانوا ليبراليين.
فالليبرالية ما هي إلا قناع، يخفي تغول الرأسمالية، وتفتيت أنساق القيم، وتدمير مقومات الأخلاق، وأنها تعجز عن تحقيق شعاراتها الاقتصادية كالرفاه لأن ذلك يتناقض مع واقع الجشع الرأسمالي القائم على الحرية والفردية دون ضابط أخلاقي، مشدداً على أن الليبرالية حولت البشر إلى حيوانات مفترسة لا أخلاق لها تسعى نحو مصالحها الخاصة فقط مهما أضرت بالبشر أو البيئة.
إن الحرية في المفهوم الليبرالي الذي يعظم المنفعة واللذة الفردية تتصادم مع الأخلاق التي هي إلزام وقيد، ولذلك تتحرر الليبرالية من الأخلاق، ولا تحفل بها، وتهتم بما يحقق الرغبات، مهما كانت عبثية وتافهة، إذا حققت منفعة صاحبها ولذته، وهذا ما يفسر تصاعد موجة الانحلال في الإعلام والمنتجات الليبرالية