ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
تخوض الدبلوماسية الأميركية ماراثون التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، بالإضافات السابقة والمتممات اللاحقة، وقد حشدت على مدى قرابة الأعوام الثلاثة الماضية طاقاتها وإمكاناتها وأدوات ضغطها وابتزازها المعلنة والمخفية،
داخل القاعات وخارجها، تحت الأضواء وبعيداً عنها، للمبازرة السياسية في آخر أوراقها المتاحة في المنطقة، رغم اليقين المتزايد بأن حسابات حقل الأدوات والمرتزقة والتابعين والعملاء التي رعتها لم تطابق حصاد بيدر الإرهاب الذي أنتجته في المنطقة وخارجها.
يبدو أن ما ينطبق على الدبلوماسية الأميركية في تعاطيها مع الجهود الدولية لعقد مؤتمر دولي حول الأزمة في سورية، ينسحب على أدائها حيال المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، حيث لا تكتفي بتحديد مواعيد وطرح اشتراطات مواربة، بل تضيف إليها تعقيداتها الناتجة عن مراهقة سياسية لا تقع فيها دبلوماسية مستجدة أو مبتدئة.
ورغم فشلها في فرض رؤيتها ومقارباتها على المسرح الدولي، وإن «تمكنت» في النهاية من تدوير الزوايا لترحيل جنيف وتأجيل تحديد موعد للمؤتمر الدولي، فإنها تحاول التعويض عبر رهانها اليوم على تثبيت موعد للتصفية النهائية للقضية الفلسطينية وإن كان بزاوية مختلفة، كي تغلق آخر الملفات وأكثرها إشغالاً للدبلوماسية الأميركية، قبل أن تميل شمس اهتمامها بالمنطقة وحضورها الطاغي فيها إلى الغروب.
رغم الفارق الهائل بين المقاربتين، لم تستطع الدبلوماسية الأميركية الخروج من نفق الدجل الذي يصبح سمة متداولة ومعمول بها في كل القضايا الإقليمية والدولية، من أقاصي الأرض إلى جوانبها وحوافها الهامشية والأصلية، وكل ما يتعلق بأدائها السياسي، وما تغوص فيه هنا تغرق فيه هناك، وما تسوّفه في الأولى تضلل حوله في الثانية.
المشترك في المقاربتين كان وسيبقى إسرائيل، والتقاطعات المتطابقة في الحالين هي المصلحة الإسرائيلية، وكل ما يخرج عن ذلك قابل للنقاش في أروقة الدبلوماسية الأميركية، وإن كان غير معمول به خارجها، ولا تمانع كثيراً في تقديم ما يرسم تعرجات فاضحة على السلوك الأميركي حين تخرج من قبضة المصالح الإسرائيلية، حيث تتراءى للبعض أنها تقترب في بعض جوانبها من منطق الدبلوماسية التي تحاكي مصالح دولة عظمى لها أدواتها ورؤيتها.
هناك كانت إسرائيل وهنا هي إسرائيل، وفي كل المعضلات التي تواجه السياسة الأميركية ومحطات الفشل المزدوج منها والمفرد كان السبب المقاربة الإسرائيلية التي تعاكس على الدوام كل المناخات السياسية السائدة حيال كل القضايا، بدءاً من الملف النووي الإيراني وعرقلته، وليس انتهاء بما جرى ويجري في كثير من البلدان العربية، وصولاً إلى الموقف من المؤتمر الدولي، وتلاقيها مع داعمي الإرهاب في ذلك، وانتهاء بالملف الفلسطيني والمفاوضات الدراماتيكية.
وتتلاقى معها بالطبع الكثير من الأدوات الأميركية في المنطقة التي تتطوع لتكون في الصف الإسرائيلي، والناطق باسم تمنياته وليس فقط إملاءاته وأوامره، وبعضها يضيف عليها في بادرة لإبداء الكفاءة في الخدمة، ويكون الكثير منها سابقاً لما تطلبه إسرائيل أو ما تعجز عنه أو تتحرج منه.
المفارقة أن الاميركي في دبلوماسيته هذه يكرر الأخطاء ذاتها ويقترف الموبقات نفسها، حيث لا نكاد نلمس متغيراً يمكن المحاججة به، ومع ذلك نراه يطلق وعوده الكاذبة ذاتها مع تعديلات تشي بما في مضمونها من فبركة فاقعة، ولا يتردد في كل مرة من إضافات، بعضها على الأقل يلغي ما سبقه ويعيد رسم روزنامة من التواريخ والمواعيد الكاذبة.
لا أحد كان ينتظر من الدبلوماسية الأميركية هذا القاع، وثمة من يشعر بالخيبة، والبعض تراوده أحاسيس الفجيعة الفعلية، حتى إن أقرب حلفائها لم يعد يثق بما تتداوله هذه الدبلوماسية في الغرف المغلقة، التي اعتادت أن تحتضن مؤشرات الأحداث المستقبلية وخطط السياسة الأميركية بقرائنها الدامغة وحججها الموثقة بالتطبيق الزمني على أرض الواقع.
ونستطيع أن نجزم بأن ما يجري كانت غايته في نهاية المطاف الوصول إلى تلك التصفية بصفقة نهائية، واستهداف سورية كان في أهم أهدافه إشغالها عن هذه القضية أو القبول بمنطق التصفية، وبعدها كل ما روجت له وما أطلقته من شعارات، لا معنى له ولا قيمة، خصوصاً إذا ما تمكنت أميركا من تحقيق المطالب الإسرائيلية، وترويض المنطقة للتسليم بما تريده، وأن تكون الوكيل المعتمد للمصالح الأميركية، باعتبار أن أميركا ستكون مشغولة في مكان آخر وأعينها تراقب عن كثب تطوراته وتداعياته، في محاولة لإعادة تموضعها على المسرح العالمي، حيث ما تخسره من الباب تحاول تعويضه عبر النافذة.. وبالقبضة الإسرائيلية!
فحين أفشلت واشنطن أمس الأول لقاء جنيف لم يكن مفاجئاً للكثيرين، لأن الدولة العظمى التي كانت وحيدة حتى وقت قريب، غير جاهزة هي ذاتها – وليس فقط من تدعمهم – للحلّ السياسي، وحين ستفشل المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، لا نعتقد أن أحداً سيصاب بالدهشة، لأنها لا تريد حلاً سياسياً، بقدر ما تبحث عن تصفية القضية الفلسطينية التي كانت وستبقى محور أي حراك أميركي في المنطقة، بل في صلب أي مقاربة قادمة أو سابقة.
a.ka667@yahoo.com