الثَّقافة والمثقف الفعّال.. كيف نؤسّس لهما؟

 الملحق الثقافي:خالد عارف حاج عثمان:

كم نحتاج للارتقاء بثقافة إنساننا ومجتمعنا، وكم نحتاج لمثقّفٍ قادر على ممارسة دوره بشكلٍ حقيقيّ فعّال. مثقفٌ، يحملُ مشعل الوعي وينير كلّ جوانب الحياة.. يسمو بها، ويُخضع ما يعترض إنسانها من مشكلات ومعضلات.
موضوع، لأننا بأمسِّ الحاجة للاهتمام به، ولاسيما في ظلّ ما نعيشه ويغيب فيه دور المثقف الحقيقي، ارتأينا سؤال بعض المهتمين والمختصين عنه، ليكون ما قالوه:
د. عطا الله الرمحين: رئيس فرع دمشق للجمعية العلمية التاريخية
«المثقف العربي بين المطرقة والسندان»
من المفارقات المأساوية والأليمة، أننا لم نعطِ تعريفاً موضوعياً للمثقف والثقافة، وقد شاهدنا تعريفات كثيرة لهذين المصطلحين. لكننا، نرى معاناة المثقف الوطني العربي المعاصر، لقد كان صبوراً مناقشاً مطوّراً، متقناً للقضايا المطروحة من موقع المناضل المثقف، الذي خاض من أجل سيادة بلده وكرامتها نضالاً طويلاً، ضد الاستعمار العثماني والفرنسي والانكليزي، وخاض حرباً أشد ضراوة وقساوة من الاستعمار والتخلف، لأنها مع الذات والأفكار والترسُّبات الموروثة.. مع الأمراض المختلفة الذاتية والموضوعية، التي يعاني منها مجتمعنا العربي، ولقد كان المثقف الوطني نمطاً فريداً في نضاله، ورغم الهموم والمشكلات، وما تعاني منه بلاده ويؤرّقه، إلا أنه غرق في التعمق الفكريّ والسياسيّ، من أجل رؤية جديدة للمستقبل، ولكيفية انبثاقه من هذا الواقع المتخلف الرهيب.
كانت حياته ومازالت، هي هذه المعاناة الفكريّة والثقافيّة اليوميّة، التي تحاول أن تخرج من القيود والأفكار القديمة، بالقراءة والتثقيف الذاتي، والمناقشة والمعرفة، فهو دائماً يشعر بالهموم والمشاغل، ويقلق دائماً من أجل وضوح الرؤية الفكرية والسياسية، ومعاناته بين جدل الأفكار والواقع، وبين جدل الواقع والمستقبل، وبين الذاتية والالتزام، وبين مشكلات الناس الذاتية والموضوعية.
هذه التناقضات، تؤرّقه بصدق، وتشعره بالمسؤولية، وبضرورة الحوار والنقاش والإنتاج، للتغلّب على الخلافات بين المتحاورين، فإذا كان النقاش العلميّ، من باب الدفاع عن المشروع، وعن الحقيقة، وعن النفس، لمجابهة العنف الرجعيّ والارهابيّ المفروض من القوى المعادية، فإن الحوار والديمقراطية، هما السبيل الوحيد لحسم الخلافات بيت المتحاورين، ويمكن أن ينجح فعلاً بالأسلوب الهادئ والصبور والطويل النفس، في تحقيق إنجازاتٍ كبرى، لم تعرفها حركات التحرر الوطني العربية.
على المثقف الوطني العقلاني الحضاري، أن يحدّد معالمه، بنشر تنازعاته وتبيان التأثيرات المختلفة، والمعاناة من التناقضات بين الذاتية والالتزام، وبين التقاليد الموروثة وبين الأفكار الجديدة، وبين أن القديم يصارع الجديد، في الذات كما في المجتمع، وأن المثقف الطليعي الوطني، ليس كما يتوهّم البعض، بعيداً عما يعانيه المجتمع المتخلف نفسه، من موروثاتٍ وترسُّبات وأفكار فردية.
نحن في مرحلة جديدة صعبة، وصعبة جداً في الوقت الراهن، نرغب أن نبني مجتمعاً جديداً فيما كان (العمل السريع) والعنف، هو سمة اللحظة الراهنة، فإن العمل الصبور والمعاناة والقدرة على التصحيح، وعلى النقد والحوار الديمقراطي، وعلى التثقيف الدائم، هي سمات المرحلة الجديدة.
نأمل، وبعد غيابٍ طويل للمثقف، أن يعود لممارسة دوره، وإبداء رأيه في مشكلتنا الكبرى التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية، وأن تعود الكتابات الحيّة، لأنها تتميز بالأصالة والعمق، ولأنها تعالج قضايا الحياة العربية المعاصرة، وخاصة الحوار الشامل الذي بدأنا نشاهده في الوقت الراهن، على المستوى الفردي والجماعي، على وسائل الإعلام.
إن دور المثقف الوطني، استخلاص الفكر الجديد الموسوم بالحداثة، وما بعد الحداثة، والمنهج العلمي، وتفعيله في تناول القضايا الثقافة والنظرية في هذا الزمن، رغم أن ما نشاهده في الوقت الراهن، لقطات فكريّة علميّة متواضعة، ولكن حجمها كبير في محتواها.
إيمان محمد: عضو الجمعية العلمية التاريخية
«بالتعبير والتفكير.. نؤسّس لثقافةٍ بنّاءة»
حين يكون الشخص صاحب فكر حرٍّ، يستطيع بناء ثقافة ترتقي بالفرد والمجتمع من كلّ النواحي، ويستطيع إيصال الثقافة بمنهجيةٍ، وعبر أساليب كثيرة ومؤثّرة.
تكون الثقافة فاعلة وبنّاءة، عندما تبتعد عن الأنا، أي عن الأنانية، وعندما تحترم ثقافة الحوار والتواصل، فالرأي والرأي الآخر، من أولويات المثقف الحقيقي.
لقد سهّلت تكنولوجيا اليوم، عملية التواصل والتبادل الثقافي والمعرفي، اختصرت الوقت والجهد، بأقل تكلفة، وأنوّه هنا إلى أهمية الالتفات إلى الشباب المثقف، والاستفادة من ثقافته وطاقاته، عبر زجِّه في كلّ مؤسسات الدولة، والاستفادة مما لديه من أفكار وأساليب بنّاءة، ترتقي بالمجتمع والأجيال، وتبعدهم عن الأفكار السلبية، أو الاستخدامات الإلكترونية الهدّامة وغير المنظّمة..
ثناء بلال: عضو الجمعية العلمية التاريخية
«البناءُ الثقافيّ الحقيقي.. من المراحل التربوية»
الثقافة وليدة مجتمعٍ وفرد، وهي عملية مكتسبة وتراكمية، مستمرة بلا توقف ومتنوعة، منها الثقافة الشخصية من ميولٍ وقدرات، والثقافة المجتمعية من عاداتٍ وتقاليدٍ وأعراف، والثقافة الوطنية والعقائدية والدينية والمادية.. الخ
من هذا المنطلق، يجب الأخذ بعين الاعتبار كلّ هذه الأنواع من الثقافات، فبقدر ما تنصهر جميعها لإحداث ثقافة إبداعية، تتميز بالتجدّد وتواكب المتغيرات الحاصلة، مع الحفاظ على الثوابت لكلِّ ثقافة، لتوجيه الفرد نحو التميّز والإبداع، وصقل المواهب، ودفع المجتمع نحو الإصلاح، والقضاء على الفساد الاجتماعي، فالثقافة هي الخبرات، وإدراك وتذوّق الجمال، بكلّ أنواعه، وهي تبدأ من المناهج التربوية لمرحلة الرياض، ولا تنتهي عند حدٍّ معين، وفي هذه الحال، لابدَّ من أخذ خبراتٍ من الثقافات الأخرى، ودمجها مع ثقافتنا بما يناسبها ويناسب مجتمعنا.
د. سمير أبو صالح: باحث سياسي
«التثقيف عملية مستمرة ومتواصلة»
لعلّ الحضارة الجمعية، منتجٌ شاركت به المجتمعات المتنوعة، وباختلاف مشاربها وعقائدها ومنجزاتها، في خضمِّ تطوراتِ ومآلاتِ التقدم أو السلوك البشري عبر التاريخ، إذ ومما لا شك فيه، أن الهوية الثقافية هي تعبيرٌ حقيقيّ، عن إرهاصات تلك المجتمعات والأفراد، الذين يشكِّلون العام من الأنا التي بدأت بعمليةِ بحثٍ عن الذات، وتطورت لتصبح نحن الذات البشرية والحضارية للإنسان والمجتمع .
في خضم هذه الإشارة، نسأل عن الثقافة باعتبارها منعكس للإرهاصات الحضارية، علماً أنها، بدأت بالفرد واستمرت به، بمعنى أنها منتج فردي لا يمكن أن ينسب للمجتمع، إلا إذا اكتملت حالة الثقافة الفردية، لتصبح حالة اجتماعية، وهذا بحدِّ ذاته صعب المنال، إذ تجد حالات تخلّف نوعي فيما سمّي بالمجتمعات الراقية، والعكس صحيح، إذ تجد حالة أو حالات ثقافية نوعية ومتطورة، في مجتمعات متخلفة والأمثلة كثيرة .
هنا يبرز السؤال التالي، وهو موضوع البحث: هل مسؤولية الثقافة تقع على الأفراد أم المجتمعات؟ وهل الدولة الحديثة تشارك في تلك المسؤولية وتوجهها وفقاً لمتطلباتها؟ وإلى أيّ حدٍّ يمكن أن تكون الحالة تشاركية بين الدولة الحديثة والمجتمع، أفراد أم جماعات؟
أعتقد أن المسؤولية باتت مشتركة، لجهة أن الدولة مسؤولة عن توفير (أدوات الثقافة)، وعلى الأفراد مسؤولية التقاط الأدوات، وتحويلها إلى منتج سلوكي فردي وجماعي، ما ينتج عنه بالضرورة، حضارة منتمية إلى فكرٍ وعقيدة وإيمان، والأهم صيرورة اجتماعية قابلة للتطوّر، والانتقال إلى مراحل أكثر تطوراً حضارياً، ثقافياً، مشتركاً.
هل هذا التصوّر ممكن؟ وكيف؟ ولماذا؟..
هو ممكن، باعتباره منتجاً ذا طابع وطبيعة إنسانية، تسعى منطقياً إلى التطور الذي هو هدفٌ مستقل، ومستقر بعقلية الإنسان الطبيعي الذي يبحث منذ وجوده الأول عن جديدٍ يساهم بتحسين وضعه المعيشي، وبكل ما يعني حالات وأهداف وأشكال، والأهم غايات عيشه وتطوره.
كيف؟.. في حالة أن الفرد أولاً، والمجتمع ثانياً، والجهات والهيئات والمؤسسات التي شكّلت بمجموعها الدولة الحديثة.. في حالة أن هؤلاء جميعاً، وضعوا هدفاً للانتقال بالمجتمع إلى حالة متطورة باتجاه تحقيق الأهداف الكبيرة، وهنا تبرز بشكلٍ جليّ، مسؤولية التعليم والثقافة، سواء كانوا وزارات أم هيئات، إذ أن من يستطيع توفير الأدوات، هي تلك الجهات مع عدم تحييد الجهات الوصائية الأخرى، وهي كثيرة في مجتمعاتنا، وعليها تقع أيضا مسؤوليات كبيرة، لا تقل أهمية عن سواها .
ولماذا كل هذا وذاك؟.. الجواب يبدأ من السؤال: هل يمكن إيجاد ضامن للأجيال أكثر فاعلية وقوّة وتأثيراً، أكثر من الحصانة الثقافية؟. وهي البوصلة الأهم، والأكثر تأثيراً، من أيّ محاولاتٍ أو مناهج وتوجّهات أخرى، مجرّد علمية كانت أم دينية، أم سلوكية ضيّقة تعتمد الموروث الاجتماعي كعادات وتقاليد، ولذلك عندما نقاطع بين الأسباب الملزمة والأهداف الكبيرة، نكون قد حقّقنا المنتج الذي نريد، والذي يحتم أن يكون فيه خيراً وأملاً، يعودا بالنفع على أجيالنا الحالية، والتي بدورها يجب أن تشكّل، حاملاً حقيقياً وأميناً للموروث الثقافي الذي لا يمكن أن تكون له نهاية تقود لجمود يؤدي حتماً، لانهيار المجتمع، وهذا ما يحتم أن تكون عملية التثقيف، عملية متواصلة متجدِّدة، بتجدّد الزمن باتجاه النهايات.
لمى علي حسن: مدربة تنمية بشرية
« مهارات التواصل في التنمية الثقافية»
حتى نبني ثقافة ترتقي بالفرد والمجتمع، علينا أن نبدأ بفهم مهارة التواصل بشقّيها الداخلي والخارجي.. التواصل الداخلي، بتعرّف الفرد على نفسه، ونقاط قوته وضعفه، كي يعمل على إصلاحها من دون أن يقارن نفسه بالآخرين، والتواصل الخارجي، أن يقوم الفرد بردِّ الفعل الصحيح، بالوقت والحجم المناسبين، وذلك أيضاً حسب شخصية الإنسان المستقبل الذي أمامه، مع مراعاة عناصر التواصل، من كلماتٍ إيجابية بنّاءة، واتباع نقدٍ إيجابي، أيّ نقد الشخص. لكن، علينا أن نرفق ذلك النقد، بالحلول الإيجابية، وذكر بعض صفات الشخص الإيجابية، لتقبّل النقد الإيجابي.
كما علينا تعليم الفرد كيفية حلّ المواقف التي يتعرض عليها خلال يومه، لأن الإنسان وللأسف، يقترف أخطاء عند مواجهة موقفٍ ما. الأول: تسمية الموقف مشكلة، وهذا ما يسحب ويهدر من طاقته، وتعليمه أن يسميه تحدّي، لأن ذلك من شأنه أن يعطيه إلهامات لحلّ موقفه. الخطأ الثاني، أن الفرد يقوم بحلّ مواقفه بنفس الطريقة، ويتوقّع نتائج مختلفة، وأستشهد بقول «أينشتاين» الشهير: من السذاجة أن تقوم بفعل نفس الأمور بنفس الطريقة، وتتوقع نتائج مختلفة.
بما معنى، لا نستطيع حلّ المواقف بنفسِ درجة الوعي والتفكير التي خلقت المشكلة، وهذا ينطبق على المؤسسات أيضاً، وليس على الفرد فقط.
علينا تقبّل آراء الآخرين وقيمهم، والأمثلة كثيرة، أذكر منها: أنصح بعدم إجبار الأولاد على تحقيق أهداف وأحلام الأهل، لأن كلّ إنسان موجود في هذه الحياة، له هدف خاص به، فمعايير الأب تختلف عن معايير الابن، ومعايير الأم تختلف عن معايير الابنة. رسالة الأهل فقط، إنشاء بيئة خصبة صالحة، لكي يحقق الابن رسالته في الحياة، لا إجباره على تحقيق رسالتهم. ربّوا أولادكم على زمانهم، فإنهم مخلوقون لزمن غير زمانكم.
المأمون صافيا: كاتب وشاعر
«البناءُ الثقافيّ.. يبدأ من الطفولة»
سأختصر ما أودُّ قوله عن الكيفيّة التي يجب اعتمادها، لإعادة تأسيس ثقافة ومثقف حقيقيين، بأبياتٍ أقول فيها:
لو شئتَ بناءَ ثقافتنا/ وإعادة ترتيب القاعة/ وأردتَ رقيَّاً في فردٍ/ وشموخاً في شعبٍ/ فعليك إعادة إعمار/ وبناء صروحٍ مطواعة..
ثِّقفْ أطفال مدارسنا/ وامرح معهم واختر ساعة/ فهم المستقبل لايرجى/ إبداع قلوبٍ مرتاعة..

التاريخ: الثلاثاء27-4-2021

رقم العدد :1043

 

آخر الأخبار
New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق The national interest: بعد سقوط الأسد.. إعادة نظر بالعقوبات على سوريا بلدية "ضاحية 8 آذار" تستمع لمطالب المواطنين "صحافة بلا قيود".. ندوة لإعداد صحفي المستقبل "الغارديان": بعد رحيل الديكتاتور.. السوريون المنفيون يأملون بمستقبل واعد باحث اقتصادي لـ"الثورة": إلغاء الجمرك ينشط حركة التجارة مساعدات إغاثية لأهالي دمشق من الهلال التركي.. السفير كوراوغلو: سندعم جارتنا سوريا خطوات في "العربية لصناعة الإسمنت" بحلب للعمل بكامل طاقته الإنتاجية الشرع والشيباني يستقبلان في قصر الشعب بدمشق وزير الخارجية البحريني عقاري حلب يباشر تقديم خدماته   ويشغل ١٢ صرافا آلياً في المدينة مسافرون من مطار دمشق الدولي لـ"الثورة": المعاملة جيدة والإجراءات ميسرة تحسن في الخدمات بحي الورود بدمشق.. و"النظافة" تكثف عمليات الترحيل الراضي للثورة: جاهزية فنية ولوجستية كاملة في مطار دمشق الدولي مدير أعلاف القنيطرة لـ"الثورة": دورة علفية إسعافية بمقنن مدعوم التكاتف للنهوض بالوطن.. في بيان لأبناء دير الزور بجديدة عرطوز وغرفة العمليات تثمِّن المبادرة مباركة الدكتور محمد راتب النابلسي والوفد المرافق له للقائد أحمد الشرع بمناسبة انتصار الثورة السورية معتقل محرر من سجون النظام البائد لـ"الثورة": متطوعو الهلال الأحمر في درعا قدموا لي كل الرعاية الصحية وفد من "إدارة العمليات" يلتقي وجهاء مدينة الشيخ مسكين بدرعا