الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
منذ أن بدأت المؤامرة الكونية والحرب الإرهابية العالمية على سورية عام 2011 مستخدمة جزءاً من النسيج السوري المغرر به أداة ووقوداً لها، لم تتردد الدولة السورية بمختلف مؤسساتها الوطنية وصولاً إلى مؤسسة الرئاسة، لحظة واحدة في فتح باب الحوار الوطني بين أبناء الوطن كافة، وذلك لجسر “الخلافات” وتقريب وجهات النظر حول كل ما يتعلق بالشأن الداخلي، وذلك لتجنيب البلاد كل ما يخططه لها أعداء الخارج من قوى ودول وجهات وأطراف لها أطماع وأجندات تتناقض كلياً مع مصالح الشعب السوري، لتشهد سورية منذ الأيام الأولى لبدء أعمال الفوضى والعنف والتخريب في العديد من المناطق العديد من المبادرات على هذا الطريق من أجل سحب فتيل الأزمة وتفويت الفرصة على المتآمرين ومنع البلاد من الانزلاق لما لا يحمد عقباه، في الوقت الذي دأبت فيه أبواق وجهات خارجية على التحريض وتأجيج الأوضاع وفبركة الأحداث للحيلولة دون نجاح أي حوار تقوده الدولة السورية.
وقد شهد العام الأول للحرب العدوانية العديد من المبادرات الداخلية منها على سبيل المثال المؤتمر التشاوري الذي عقد في مجمع صحارى، كما استضافت دمشق مؤتمرات للعديد من الأحزاب والأطراف المعارضة من أجل مساعدتها على بلورة حلول وطنية داخل الوطن ودون تدخل من أحد، تسهم في الحل وتحول دون التدخل الخارجي، لكن للأسف لم تستطع هذه الجهات والأطراف الخروج من عقدتها المزمنة، عقدة تسلم السلطة والاستئثار بها لخدمة أجندات خارجية، حيث لم تتحرج هذه الأطراف في الكثير من الأحيان من المكاشفة بما تريده وما ترغبه، كالتخلي عن فكرة المقاومة والدخول في دهاليز المصالحة والتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي دون عودة الأرض والحقوق، وتخريب العلاقات مع العديد من الأصدقاء والحلفاء بزعم أن ذلك يخدم مصالح السوريين، ليتبين أن معظم ما كانوا يطرحونه في الإعلام ويحاولون تمريره في الكثير من المناسبات هو مجرد أجندات أميركية صهيونية تحاول تجريد سورية من دورها المحوري في قضايا المنطقة وإبعادها عن الموقع الريادي الذي تشغله.
ورغم إدراك القيادة السورية لمرامي وأهداف هذه “المعارضات” إلا إنها لم تقفل باب الحوار مغلبة المصلحة الوطنية فوق كل مصلحة، إيماناً منها أن الحوار هو أفضل طريقة لمعالجة المشكلات والأزمات وتدوير زوايا الخلاف بين أبناء الوطن، ولهذا لم تتردد لحظة واحدة في تقبل أي دعوة للحوار، بل قدم السيد الرئيس بشار الأسد أنموذجاً متقدماً في ثقافة الحوار عندما استقبل شرائح واسعة ومتنوعة من نخب وعموم الشعب السوري وحاورهم بروح منفتحة واستمع إلى هواجسهم وأفكارهم وآرائهم على أمل بلورة حلول لكل المشكلات التي كانت تثار في الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي وباقي المنصات الأخرى، وبذلت الدولة السورية جهوداً جبارة لتأمين فرص الحوار الشفاف والصريح والمنتج بين أبناء الشعب السوري كافة من خلال المؤسسات بعيداً عن أي وصاية أو تدخل خارجي.
ولكن للأسف اتضح منذ اللحظات الأولى للحرب الإرهابية أن جهات خارجية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي كان سفيرها السابق بدمشق روبرت فورد ينشط ويتحرك على الخط من أجل التحريض على العنف ورفض الحوار وإعلاء شروط الحوار والتفاوض مع الدولة السورية، وكان تدخل وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون فظاً عندما دعت أطراف ما يسمى “المعارضة السورية” لرفض الحوار مع الحكومة السورية عام 2012 وتحريضهم على التمسك بشروطهم المرفوضة لتغيير الوضع في سورية.
ورغم دخول العامل الإرهابي والتنظيمات الإرهابية على الخط مبكراً فإن الدولة السورية لم تغلق باب الحوار مع من يدعون أنهم “معارضة” ويمثلون جزءاً من النسيج السوري، ولم تضع سقفاً للحوار سوى الدستور السوري ووحدة سورية أرضا وشعباً، وقد استجابت لكل دعوات الحوار والتفاوض الأممية في جنيف وشاركت بكل جولاتها، حيث ظهر التأثير السلبي لأميركا والغرب على “المعارضة” واضحاً وبالدليل القاطع، إذ كانت الإملاءات والأفكار المعرقلة تسلم لممثلي “المعارضة” بين جلسات التفاوض، وهو ما حال دون التوصل إلى أي تسوية أو اتفاق، كما استجابت الدولة السورية لأكثر من مبادرة بفتح حوار داخلي سوري سوري، حيث تم الاتفاق بين الحكومة السورية وما يسمى المعارضة في كانون الثاني عام 2015 خلال المؤتمر الذي انعقد في موسكو على ما يعرف ب”مبادئ موسكو” آنذاك والتي نصت على الحفاظ على سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها، والتعاون على مكافحة الإرهابيين والمتطرفين، والحفاظ على الجيش والقوات المسلحة كرمز للوحدة الوطنية، كما شاركت الحكومة السورية بمؤتمر سوتشي الذي عقد في كانون الثاني عام 2018.
وعندما تعلّق الأمر بالتنفيذ كانت وما زالت ما تسمى “المعارضة” هي التي تتنصل من التنفيذ لما تتميز به من عيوب يجعلها تفتقد حتى إلى التسمية وتختلق الأعذار والأكاذيب والروايات المفبركة لتشويه الصورة والإساءة إلى سمعة الموقف السوري، في حين برهنت الحكومة السورية على مصداقيتها وثبات موقفها ورغبتها بالحل عبر تمسكها بوحدة البلاد أرضاً وشعباً، والعمل على محاربة الإرهاب الذي طغى على المشهد العام في سورية.
في المقابل جاءت بعض المبادرات جامعةً بين البعدين الدولي والداخلي، كمبادرة شباط 2015، فبعد مباحثات ستافان دي ميستورا مع الرئيس الأسد أعلن المبعوث الدولي آنذاك أن الرئيس بشار الأسد “جزء من الحل” في سورية، وأكد أن “الحل الوحيد هو الحل السياسي”، وأشار إلى أن تنظيم “داعش” هو المستفيد الوحيد من الأزمة القائمة، ومن عدم وجود اتفاقات، في حين ظلت الكثير من أطراف المعارضة المحسوبة على أميركا وتركيا والسعودية وقطر وغيرها بما في ذلك التي تدعي العلمانية تعلق آمالها على التنظيم الإرهابي وعلى باقي التنظيمات الإرهابية لإحداث تغيير على الأرض، مع استمرار دعوة أميركا وتركيا وباقي الأطراف للتدخل عسكرياً على الأرض وهو ما حدث فعلياً، والتشكيك بكل خطوة إيجابية كانت تقدم عليها الدولة السورية، وهو الأمر الذي نقل الأزمة من الحالة السياسية إلى الحالة العسكرية وعمق الأزمة وصولاً إلى ما يجري اليوم في الشمال السوري من احتلالين أميركي وتركي ونشاط إرهابي لمرتزقتهما واعتداءات إسرائيلية بين الحين والآخر، وبقاء محافظة إدلب تحت سيطرة جماعات القاعدة وباقي تنظيمات الإخوان المسلمين الإرهابية.
وحتى اجتماعات لجنة مناقشة الدستور التي تجري بين الوفد الوطني وبقية الوفود الأخرى والتي عقدت جولات عديدة منها في جنيف لم تتوصل إلى نتائج مرضية أو حاسمة بسبب تبعية وفد “المعارضة” لأطراف خارجية وطرحه لأفكار بعيدة كل البعد عن مصالح السوريين وتفتقد الحد الأدنى من الاستقلالية والمصلحة الوطنية.