الإعلام الأمريكي ودوره في السياسات المناهضة للعرب

في عصر القرية الكونية والفضاء الإعلامي المفتوح تلعب وسائل الإعلام الوازنة دوراً كبيراً في تشكيل الرأي العام والوعي العام عند قطاعات واسعة من الجماهير، والتأثير في سياسات الدول ومواقفها من القضايا الساخنة، وتصبح المسألة أكثر خطورة إذا كانت وسائل الإعلام بمستوى قوة وتقانة وتوزع الماكينة الإعلامية الأميركية لجهة أنها تؤثر في سياسات أكبر وأعظم قوة عسكرية واقتصادية في العالم تتواجد وتؤثر في المشهد الدولي ولو سلطنا الضوء على دور الإعلام الأمريكي لتوصلنا إلى مجموعة استنتاجات تدل على قوته وامكاناته الهائلة ومدى تأثيره في الداخل الأميركي وعلى مستوى الرأي العام العالمي فالولايات المتحدة الأميركية تمتلك أكبر ترسانة إعلامية في العالم حيث تبث وكالات أنبائها وتتحكم بـ 80 بالمئة من الصور المبثوثة وتنتج أو تنشر 75 بالمئة من الأفلام السينمائية وتزود وكالة الأسوشيتد برس 1600 صحيفة كبرى بأخبارها، إضافة لـ5900محطة إذاعية وتلفزيونية ويشارك الأميركيون بأكثر من 75 بالمئة من خطوط الإنترنيت، وتسيطر شركات غوغل وفايسبوك وتويتر على الفضاء الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي بحيث نصبح أمام إمبراطورية مسيطرة في الفضاء الرمزي، إضافة إلى أن محطة سي إن إن تعتبر المصدر الرئيس للأخبار المصورة في العالم ولعل أحدث الدراسات تشير إلى أن المواطن الأميركي يشاهد ويتابع قضايا فكرية وثقافية وفنية من التلفاز والإذاعة والمسرح والسينما والمطالعة نحو 3400 ساعة في السنة ومن ثم يتشكل لديه وعي وموقف من خلال تلك العناصر والمنابر على تنوعها.

وتكمن المشكلة هنا في نوع الرسالة والخطاب والمحتوى الذي تحمله تلك المنابر وتعامله بموضوعية مع الأحداث سواء كانت داخلية أم خارجية حيث نجد وللأسف أن أغلب وسائل الإعلام الأميركية لا تتعامل بهذه الصورة إذا علمنا حجم السطوة والسيطرة والنفوذ الصهيوني على وسائل الإعلام تلك وتسويق بعض القضايا الكاذبة والمضللة للرأي العام في ظل غياب وجهة النظر الأخرى أو تغييبها وبقاء الجمهور أسير رواية واحدة حيث صورت وسائل الإعلام الأميركية قضية الصراع العربي الصهيوني على أن الإسرائيليين هم الضحايا بل ومحبون للسلام وأن الكراهية تملأ قلوب العرب والفلسطينيين تجاه إسرائيل واليهود ولم ينضج حتى الآن جيل سياسي خارج إطار هذه الصورة النمطية المعكوسة.

إن أي تحليل للسياسة الأميركية في المنطقة هو نتاج عناصر داخلية تتفاعل ضمن مؤسسات ومراكز بحثية ودراسات وقوى اقتصادية وجماعات ضغط منظمة (لوبيات) تفعل فعلها في المسرح الأميركي المكشوف والمتعدد يضاف إليها الكونغرس ومراكز الدراسات الاستراتيجية التي يزيد عددها على 200 مركز متخصص عملت بشكل ممنهج ومركّز على تعبئة الذاكرة الجمعية الأميركية بصورة سلبية نمطية عن العرب والمسلمين على وجه العموم على أنهم مصدر الإرهاب وبؤرته ولتحديد دور تلك الوسائل وتأثيرها في السياسة الأميركية يقول إدوار هيرمان: إن وظيفة الإعلام الأساسية هي كونه الساعد المؤيد للنخب الحاكمة بحيث يعرض المجريات ويناقشها ضمن الأطر المقبولة لدى المراجع العليا، وهذا يشير إلى عدم مصداقية ما يسمى الحرية الإعلامية التي يدعى أنها قائمة في أميركا، ويؤكد ذلك الباحث والإعلامي سيغال بقوله: إن جريدتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست تضعان عناوينهما الرئيسية وكأنهما أشبه ما تكونان لسان حال النخبة السياسية، ويشير الباحث والمفكر العربي فواز جرحس إلى دور وسائل الإعلام الأميركية في تشويه صورة العرب والمسلمين بقوله: تحول الإسلام والمسلمون ومن بينهم العرب إلى أنباء يومية في العقل الأميركي بعد أحداث 11 أيلول 2001، ومن خلال مراجعة لمثل هذه الآراء نرى أن وسائل الإعلام الأميركية لم تقدم صورة موضوعية عن القضايا العربية ولاسيما القضية الفلسطينية وما جرى ويجري على الساحة السورية من إرهاب وقتل وتجويع وإرهاب اقتصادي، بل كانت منحازةً تماماً لوجهة النظر الأخرى وروايتها للأحداث، وهنا يرى المفكر والمحلل الاستراتيجي ادمون غريب أن مرد ذلك يعود لاعتماد الأميركيين على وسائل إعلامهم المنحازة وأسيرة الرواية السياسية والجهل والتحيز الذي مرده أسباب تاريخية وثقافية ودينية وتشابه نمط التفكير لدى الصحفيين الأميركيين حول الأحداث في المنطقة والتعاطف مع اليهود الإسرائيليين من أغلبية الشعب الأميركي، ولا شك أن أحد أسباب ذلك من وجهة نظرنا هو ضعف النشاط العربي والإسلامي في الساحة الأميركية وعدم الاستثمار فيها ثقافياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً، وعدم معرفة أساليب التعاطي مع وسائل الإعلام الأميركية التي تركز على الحدث المثير دون وضعه في سياقه الصحيح وخلفيته التاريخية مع إخفاقنا في طرح وجهات نظرنا وتعريف الأميركيين بحقيقة ما يجري في المنطقة وأمام تلك الصورة لابد من استراتيجية عربية شاملة لمواجهة ما يجري في المسرح الإعلامي والثقافي الأميركي وهو مسرح مفتوح وقابل للاستثمار عبر عمل منظم تساهم فيه مؤسسات عربية وفاعلين في المغترب، إضافة للسفارات العربية والمراكز الثقافية العربية الموجودة وروابط المغتربين المتواجدة بشكل واسع في الغرب والأميركيتين، إضافة لقوى المجتمع المدني وقوى صديقة للعرب لها صوتها ونفوذها تحتاج للدعم والتواصل معها لجهة نفوذها في أوساطها الشعبية والمجتمعية ومراكز القرار وصناعة الرأي العام.
وهنا تبرز الحاجة للاستفادة من طاقة الإعلاميين والأكاديميين عبر تنظيم حملات علاقات عامة عربية أميركية وتبادل وفود رسمية وشعبية وتزويد تلك الوفود بكل ما يفيد في تغيير الصورة النمطية السلبية المتجذرة في العقل الغربي الجمعي عن العرب والمسلمين بحكم ما جرت الإشارة إليه يضاف إليه خطاب الفكر الاستشراقي.

إن تعدد وسائل الإعلام وتنوعها وانتشارها الواسع وانفتاحها يساهم إلى حد كبير في نجاح هكذا مهمة استراتيجية وضرورية، ولاسيما أننا نمر بظروف تاريخية ومفصلية صعبة ربما حددت مستقبل أمتنا ووجودنا ودورنا الحضاري .

إضاءات- د . خلف المفتاح

آخر الأخبار
رئيس الهيئة المركزية للرقابة : لن نتوانى عن ملاحقة كل من يتجاوز على حقوق الدولة والمواطن   الرئيس الشرع: محاسبة مرتكبي مجازر الكيماوي حق لا يسقط بالتقادم   حشرات وعناكب بالألبان والأجبان   تشجيعاً للاستثمار .. محافظ درعا يتفقد آثار بصرى الشام برفقة مستثمر سعودي  إبراز المعالم الوقفية وتوثيقها في المحافل الدولية بالتعاون مع "الإيسيسكو" معرض دمشق الدولي..ذاكرة تتجدد نحو تنمية مستدامة  "خطوة خضراء لجمال مدينتنا".. حملة نظافة واسعة في كرناز 10 أطنان من الخبز... إنتاج مخبز بصرى الشام الآلي يومياً نداء استغاثة من مزارعي مصياف لحل مشكلة المكب المخالف قرابة  ١٠٠٠ شركة في معرض دمشق الدولي ..  رئيس اتحاد غرف التجارة:  منصة رائدة لعرض القدرات الإنتاجية تسهيلاً لخدمات الحجاج.. فرع لمديرية الحج والعمرة في حلب "الزراعة" تمضي نحو التحول الرقمي.. منصة إرشادية إلكترونية لخدمة المزارعين  اجتماع تنسيقي قبل إطلاق حملة "أبشري حوران "   مبادرة أهلية لتنظيف شوارع مدينة جاسم الدولرة تبتلع السوق.. والورقة الجديدة أمام اختبار الزمن السلوم لـ"الثورة": حدث اقتصادي وسياسي بامتيا... حاكم "المركزي"  يعلن خطة إصدار عملة جديدة بتقنيات حديثة لمكافحة التزوير عبد الباقي يدعو لحلول جذرية في السويداء ويحذر من مشاريع وهمية "الأشغال العامة".. مناقشة المخطط التنظيمي لمحافظة حماة وواقع السكن العشوائي "حمص خالية من الدراجات النارية ".. حملة حتى نهاية العام  محمد الأسعد  لـ "الثورة": عالم الآثار خالد الأسعد يردد "نخيل تدمر لن ينحني" ويُعدم واقفاً