لم يكن مستغرباً هذا الموقف العدائي ضد سورية وشعبها من جانب الولايات المتحدة الأميركية والغرب الأوروبي، وهي تمضي قدماً في الالتزام بالاستحقاقات الدستورية واحترام توقيتها وتفاصيلها، بل على العكس كانت التوقعات تذهب إلى تأكيد هذا الواقع وما يصاحبه من حملات عدوانية على المستويات المختلفة كافة، فنحن ندرك أننا ما زلنا نواجه قوى البغي والعدوان في معارك لم تتوقف ولم تنته بعد أكثر من عقد من سنوات العدوان، وندرك أن تلك السنوات حملت معها أشكالاً من العدوان المستحدث يتوافق مع كل مرحلة وظروف جديدة في مسار الصراع مع الإرهاب، الأمر الذي يعطينا القدرة دوماً على تقدير وتقييم كل مرحلة بكثير من الدقة والمعرفة بعيداً عن التهويمات والآمال والرغبات، فقد عشنا سنوات اتصفت بامتلاك الرؤية الدقيقة لمجريات وتطورات الأحداث ومدى انعكاساتها وتأثيراتها في مجرى الصراع والمواجهة المستمرة.
واليوم مع الدخول في مرحلة الاستحقاق الانتخابي لمنصب رئاسة الجمهورية، فقد ازدادت حدة العداء ضمن مسارات هوجاء لدى مجموعات وشخصيات فقدت العقل في تقييمها واحتكمت للهوى والحقد في أحكامها ومواقفها، وكأن عشر سنوات من صراع غريب لم تعط نتائج منطقية وموضوعية لأولئك الحاقدين والعملاء والمأجورين على السواء، فمن جانب الحكومات التي قادت العدوان على سورية، يمكن أن نفهم موقفها بأنها ستستمر في عدوانها طالما لم تستطع فرض إرادتها ولم تستطع تحقيق أهدافها في تدمير البنية الاجتماعية والسياسية كنموذج في سورية، أما الشخصيات والمجموعات السياسية وأشباه التجمعات ممن تعطي نفسها تسميات كبيرة خلاف واقعها، فكيف تتخذ مواقف العداء، وتطلق تصريحاتها مطالبة من داخل أوروبا وفنادقها ومنتجعاتها ممن بقوا في وطنهم الاحتكام إلى السلاح غير آبهين بحياتهم وأرواحهم!.
لقد كان الإعلام واحداً من أهم الأسلحة التي واكبت العمل الإرهابي ضد الشعب السوري منذ لحظة العدوان الأولى، حتى وكان قد بدأ أعماله التحضيرية قبل بدء العدوان، لكنه اليوم يأخذ أشكالاً توسعية تعكس بالمقابل حجم الحالة النفسية التي يعاني منها المعتدون، فنراهم يسوقون تفاهات الأكاذيب، ويروجون لكل حكاية كاذبة، ويلفقون الروايات مستعينين بالخرافات وميتافيزيقيا الغيب والأوهام، فهل تراهم يعيشون عصر العلم والمعرفة والمعلومات؟ أم تراهم يعودون إلى عصور الجهل والوحشية؟
في سياق المواقف العدوانية الأميركية المتكررة والأوروبية التابعة والملحقة يظهر التناقض بين المعلن والممارس، فتلك البلدان التي تدعي الديموقراطية والنهج السياسي الليبرالي، والتي تدعي عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، نجدها الأكثر في التدخل السياسي والعسكري والاستخباراتي والإعلامي نتيجة الخلفية الاستعمارية المتأصلة، فهي تهدف من ذلك العدوان وهذا التدخل العودة للعب الدور المسيطر على مقدراتنا وثرواتنا وأرضنا وشعبنا، ورغم أنها فشلت في تحقيق تلك الأهداف خلال عشر سنوات مضت، لكنها لم تستفد من دروس جميع المواجهات والمعارك المركبة والمعقدة، فنراها تتخبط في قراراتها التي لا يمكن أن تدخل تحت أي بند في إطار القانون الدولي، أو الأعراف والاتفاقات الدولية الموقعة في إطار الأمم المتحدة.
ويبقى ما يؤرق وضع المعتدين هي عدم اهتمام سورية وشعبها لجميع التهويمات والأكاذيب والضغوط وعدم الالتفات لأحاديث الإعلام والمضي في تنفيذ القرارات الوطنية الداخلية بكثير من الثقة اعتماداً على خبرة سنوات طويلة من الصمود والمواجهة التي كانت نتائجها معروفة وموثوقة دوماً، وهي اليوم لا تختلف عنها، فالشعب السوري الذي واجه الإرهاب بأبشع صوره هو ذاته من يواجه الضغط والحصار بذات الموقف الوطني الصامد، وهو ذاته مصدر القوة والقرار السياسي المحافظ على السيادة الوطنية.
معا على الطريق- مصطفى مقداد