افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
بالثقة ذاتها التي مَضى السوريون بها على دروب الصمود والتمسك والثّبات وعدم التنازل، يَمضي شعبنا اليوم نحو استكمال ما بدأه في مواجهة الإرهاب والحرب والعدوان والمؤامرة ومحاولات العزل وإجراءات الحصار، ليُسجل ربما أعظم انتصار على أعتى قوّة غاشمة مُجرمة لم تُوفر وسيلة قذرة إلا واستخدمتها بالميدان وعلى منابر التضليل، وفي السياسة وأروقة الدبلوماسية.
الانتخابات الرئاسية كاستحقاق دستوري سيادي وكشأن وطني محلي داخلي – وهي كذلك – تَبرز بهذه الأثناء كعنوان آخر للتحدي الذي قَبِلَه شعبنا بمواجهة منظومة العدوان ذاتها التي مارست كل أشكال الإرهاب ضده للنيل من إرادته، ولتَمزيق وطنه السوري الكبير، لتتأكد بذلك حقيقة في اتجاهين مُتعاكسين مُتضادين، إذا كان يُفهم من الأول أن أميركا – ومن معها – لن تتوقف عن محاولات استهداف سورية وشعبها، فإن الاتجاه الآخر سيُثبت من جديد لأميركا – ومن معها – ما ينبغي فهمه مرة واحدة وأخيرة تتلخص بأنّ لا فرصة مُتاحة أمامها سوى الاعتراف بالفشل والهزيمة والإقلاع عن الوهم والتَّوهم والتخلي عن الغرور والغَطرسة.
تنظيمُ الانتخابات الرئاسية في موعدها! إجراؤها انسجاماً وتوافقاً مع أحكام الدستور وقانون الانتخابات العامة، هو أمرٌ وطني سيادي داخلي شأنه شأن انتخابات الإدارة المحلية، والانتخابات التشريعية التي إذا كان حاسماً صارماً رد السوريين على محاولات التشكيك بنتائجهما، فإنّ ردهم اليوم سيكون فاصلاً ونهائياً يَدفن للأبد ربما أحلام وأوهام واشنطن وتحالف العدوان الذي تقوده.
خلال سنوات الحرب والعدوان، جرت انتخابات محلية وتشريعية ورئاسية، ولم تتوقف الحياة السياسية والممارسة الديمقراطية في سورية، بل جرت على التوازي، وبمواعيدها، الانتخابات النقابية والحزبية حتى في أصعب الظروف والحالات التي كانت التنظيمات الإرهابية تُسعر اعتداءاتها بالقذائف والتفجيرات امتثالاً لأمر عمليات عثماني أو صهيوني أو أميركي كان يَستهدف التعطيل والقتل معاً، فهل راجعت واشنطن وملحقاتها أثر ذلك الذي قامت به مع أذرعها الإرهابية قبل أن تُعيد الاجترار به بمناسبة الانتخابات الرئاسية؟ وهل أخضعت للقياس الارتدادات الناجمة عن حماقاتها المُرتكبة قبل أن تذهب لاختبار حملات التشكيك والتشويه التي تفتتحها؟.
ألفُ مشهد، ألف حالة، ألف مَظهر كاشف وآلاف الوثائق والأدلة جاهزة للاستحضار والدلالة على عمق المأزق وأحجام الورطة المُركبة التي صنعتَها واشنطن لنفسها ولحلفائها وأتباعها وشركائها، وبمُقابلها تتوافر أيضاً آلاف المشاهد والوثائق والأدلة غير القابلة للمُناقشة في دلالتها على عظمة سورية والسوريين، في الدلالة على عَميق إيمانهم بوطنهم وعلى قوّة عزيمتهم وعظيم ما يَكتنزون من قُدرات ذاتية تتحرك باتجاه واحد – دفاعاً وصوناً – بإرادة وطنية خالصة لا تعرف التراجع وتُصمم على مُراكمة الناجز على المُنجز بدورة استكمال النصر الحتمي.
في حالات تدخل سابقة، قيل لواشنطن وسواها ممن يَتدخل ويَدسّ أنفه بكل تفصيل وجزئية حول العالم: إن التقديرات الذاتية ليست بالضرورة أن تكون صائبة أو صحيحة، وإذا كانت خاطئة أو مُلفقة، أو إذا ثبتَ عدم دقتها بمقابل اليقين بفبركتها، فإن تكاليفها تكون مُضاعفة بأمثال عدة مُقارنة مع ما كان يُنتظر منها، وبالتالي فإنه إذا كان صحيحاً أنّ لأميركا أن تُخطط وتُنفذ وتَحلم بالطريقة التي تَحلو لها، فالصحيح أيضاً أنّ على أميركا ألا تكون مُنفصلة عن الواقع إذا ما وجدت العبثية بخطواتها، بل عليها أن تُقرّ ولا تُنكر وأن تَعترف ولا تُعاند، وإلا فإن شيئاً لن يُخفض أو يُهوِّن عليها بأقل المقادير ما ستجد نفسها بمواجهته من استحقاقات لا مفرّ منها هي بمثابة المُرتسمات لمُعادلات جديدة تَفرض واقعاً لا يمكن تَجاهله.