الثورة أون لاين -د. ذوالفقار علي عبود :
في اجتماع مجلس الأمن الدولي يوم الثامن عشر من نيسان عام 2021 لبحث تطورات الأزمة في سورية والانتخابات الرئاسية السورية، أعلن مندوبو كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، أنهم لن يعترفوا بنتائج الانتخابات الرئاسية السورية، لأنها لا تشمل كل السوريين في الخارج، وتخضع بصورة أساسية لرقابة الحكومة السورية فقط، وعلى الرغم من أن هذا الموقف لم يكن مفاجئاً للحكومة والشعب السوريين، نظراً لكون هذه الدول متورطة بعمق في الحرب العدوانية على سورية، إلا أن اللافت أن هذه المواقف جاءت مخالفة لكل القوانين الدولية والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة.
ورغم طلب الحكومة السورية من الأمم المتحدة مراقبة الانتخابات إلا أن رفض الأخيرة يشير إلى عدم احترام بعض الدول لميثاقها ومبادئها العامة، حيث تسعى اليوم إلى فرض نظام سياسي ودستوري جديد في سورية، يتيح المجال أمام المعارضة المسلحة التابعة لدول إقليمية، للترشح والمشاركة في الانتخابات، ومع تعنت أطراف المؤامرة من أصلاء ووكلاء وأدوات، في مقابل عودة الأمن والاستقرار إلى معظم المناطق السورية التي كانت تخضع لسيطرة الجماعات المسلحة، إضافة لاقتراب موعد الانتخابات الرئاسية السورية، كل ذلك حال دون التوصل إلى اتفاق طوال اجتماعات اللجنة الدستورية.
وحسب الأنظمة والقوانين السورية، يحق للسوريين المقيمين في الخارج والذين خرجوا من سورية بصورة قانونية، التصويت في السفارات والقنصليات السورية التي تتولى التنظيم والإشراف على عملية الانتخابات، أما الذين خرجوا في موجات لجوء غير شرعي، فلن يكون بإمكانهم التصويت، لاسيما في ظل إغلاق الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية للسفارات السورية لديها.
بالمقارنة ما بين انتخابات 2021 وانتخابات 2014، نلاحظ أن انتخابات عام 2014 تمت في ظل ظروف بالغة الصعوبة حيث كانت المنظمات الإرهابية المدعومة من الدول المعادية لسورية، تسيطر على نصف الأراضي السورية، وكانت الأوضاع الاقتصادية بالغة الصعوبة، والجيش العربي السوري يخوض حرب استنزاف غير نظامية، ولم تكن روسيا قد تدخلت بعد عسكرياً بطلب من الحكومة السورية، وبالرغم من ذلك تمكن السوريون من الإدلاء بأصواتهم في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، واليوم في عام 2021، تجري الانتخابات الرئاسية في ظل ظروف أفضل بكثير عن سابقتها، فقد اندحرت الفصائل والتنظيمات الإرهابية المسلحة وداعميها، ولم تعد المعارضة غير الوطنية تحظى بنفس الدعم الذي كان عليه، كما استطاعت الحكومة السورية تحرير معظم المناطق السورية، وما تبقى من مناطق محدودة هو تحت احتلال أميركي وتركي مخالف للقانون الدولي ويعتمد على فصائل إرهابية ولن تشملها الانتخابات.
في مواقف الدول، يبدو الموقف الروسي إزاء الانتخابات متوازناً، من خلال البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الروسية، حيث دافعت عن شرعية الانتخابات الرئاسية السورية، من حيث أنها شأن داخلي سوري يتوافق بالكامل مع الدستور السوري لعام 2012 والقوانين السورية، وأن هذا لا يتناقض مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 وغيره من القرارات الدولية التي تحترم سيادة سورية، وأن التصريحات التي تنطلق من عدة عواصم تمثل جزءاً من حملة الضغط السياسي الواضح على سورية ومحاولة جديدة للتدخل في الشؤون الداخلية لسورية، وأنه ليس من حق أحد أن يملي على السوريين التوقيت والظروف الواجب توفرها لاختيار رئيس لدولتهم. كما أن الخارجية الروسية ترى أن الانتخابات ستجري وفقا للمعايير الوطنية والدولية، رغم استمرار الاحتلال الأجنبي غير الشرعي لأجزاء من الأراضي السورية، إضافة لاستعداد روسيا لإرسال مراقبين روس لمواكبة الانتخابات الرئاسية السورية.
ويبرز الموقف التركي المعادي الذي لا ينفصل عن مواقف النظام التركي منذ بدء الحرب العدوانية، حيث أعلنت تركيا رفضها للانتخابات الرئاسية السورية وكأنها ليست شأناً داخلياً سورياً بل شأن تركي داخلي، وأكدت أنها غير شرعية لأن الحكومة السورية هي التي تشرف عليها، وتمادت تركيا في عدائها عندما منعت السوريين المقيمين على أراضيها من ممارسة حقهم وواجبهم الدستوري، وتماهى الموقف الألماني مع الموقف التركي المخالف للقانون الدولي ولاتفاقيات جنيف للعلاقات الدبلوماسية.
وأما مواقف أغلب الدول العربية، فقد سمحت للسوريين بالانتخاب وإن غلب الصمت الرسمي على مواقفها من الانتخابات بغية عدم إثارة الغضب الغربي، واكتفت بالتغطية الإعلامية لمجريات الاستعداد للانتخابات الرئاسية السورية، في ظل أنباء عن اتصالات عديدة بين دول عربية والحكومة السورية بعد توقفها لسنوات.
الحكومة السورية تحرص على أن تجري الانتخابات الرئاسية وفق الدستور السوري ودون اعتبار لأي تدخلات خارجية، وقد اتخذت الاحتياطات الأمنية كافة لتأمين العملية الانتخابية من أية أعمال عنف أو إرهاب بما لا يؤثر على هذا المسار.
ومن المتوقع بعد الانتخابات الرئاسية أن تراجع الأطراف الإقليمية والدولية الضالعة في الحرب على سورية مواقفها، وتتجه نحو الدفع الإيجابي لتسوية الأزمة في إطار وحدة سورية وسيادتها وسلامة أراضيها، مع عودة مقعد سورية في جامعة الدول العربية للحكومة السورية، مع استمرار تحقيق الحكومة السورية مكاسب سياسية، وكل ذلك مرتهن بقرار السوريين في صناديق الاقتراع، فالشعب هو مصدر السلطات كلها، وفي نهاية المطاف فإن الحكومة السورية والنظام السياسي السوري هو الممثل الشرعي للشعب السوري، ولا مجال أمام الدول الغربية سوى التعامل مع الحكومة السورية في ضوء عدم قبول الشعب لما تسمى بالمعارضة سواء في الداخل أو الخارج، إضافة إلى عجزها عن طرح أي بديل مقبول وممكن التحقيق.
