الثورة – مها دياب:
يعدّ الاختلاف في الرأي ظاهرة طبيعية وصحية تساهم في إثراء الفكر وتوسيع الآفاق، إلا أنه في مجتمعاتنا كثيراً ما يتحول إلى سبب للقطيعة والعداء، وأحياناً إلى نزاعات حادة.
وبينما ينظر إلى الاختلاف عالمياً بوصفه دافعاً للحوار والتطور، فإنه في الواقع العربي يبدو بعيداً عن تبني هذا النهج، ويسود التشدد في المواقف والتشبث بالرأي الواحد.
قانون كوني أم اختبار إنساني؟
يرى الباحث الإداري وصفي أبو فخر، أن الاختلاف سنة كونية بدأت منذ خلق الله الإنسان، وهو مؤشر على التنوع الفكري والثقافي، ولكن بشرط أن يكون قائما على الاحترام المتبادل والحوار البناء، وأن بعض الفقهاء والمفكرين الإسلاميين اعتبروا الخلاف اختبارا لصدق الإنسان في البحث عن الحقيقة، مما يضفي عليه بعداً أخلاقياً وروحياً.
وحتى الزعيم الهندي مهاتما غاندي كان يؤكد أن الاختلاف لا يعني العداء، مستشهداً بعلاقته الطريفة بزوجته التي كانت تختلف معه في الرأي، ولكنها كانت سنداً له في الحياة، أيضاً الإمام الشافعي، فقد لخص هذه الفكرة بقوله: “ألا يستقيم أن نكون إخوانا، وإن لم نتفق في مسألة؟”، وهو قول يعكس عمق فهمه لقيمة التسامح الفكري.
حوار الحضارات
يقول أبو فخر: إن مفهوم حوار الحضارات يعد الخيار الأمثل لبناء مستقبل مشترك، إلا أنه يصطدم بواقع عربي قائم على ثقافة الإقصاء ورفض الآخر، ففي كثير من الأحيان، يختزل الاختلاف إلى “عداء”، وتلغى أي مساحة للتفاهم، حتى في أبسط الخلافات مثل النقاشات الرياضية أو السياسية، الأمر الذي يؤدي إلى تصاعد التوتر وانعدام فرص الحوار.
وإذا كان السؤال لماذا يتحول الاختلاف إلى مصدر للفرقة؟
يشير الباحث إلى عدة عوامل أساسية تعزز هذه الظاهرة أهمها: المنظومة التربوية، إذ يربى الأفراد منذ الصغر على تقديس الرأي الواحد، ويكرس النظام التعليمي ثقافة التلقين بدلاً من النقد والتحليل.
والبيئة السياسية، إذ تميل بعض الحكومات إلى ترسيخ منطق “من ليس معنا فهو ضدنا”، مما ينعكس على تعامل الأفراد مع بعضهم البعض.
أيضا الخطاب الديني والطائفي، ويستخدم الاختلاف أحياناً كأداة للتحريض على الفرقة بدلاً من أن ينظر إليه كعنصر إثراء للهوية الثقافية والدينية.
وحول الانعكاسات الاجتماعية للخلافات الفكرية، يؤكد أبو فخر، أن أحد أبرز نتائج التعصب للرأي هو التوتر الاجتماعي، وأصبح من الشائع رؤية قطيعة بين الأصدقاء وأفراد الأسرة بسبب اختلافات سياسية أو فكرية، فضلاً عن ظاهرة “الحظر” في وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت تعكس عجزا عن تقبل الرأي الآخر.
وحتى في ساحات الرياضة والفن، تتحول الخلافات إلى مواجهات حادة، ما يوضح ضعف ثقافة الحوار وقلة الوعي بأهمية التنوع في الآراء.
وعن الحلول الممكنة نحو مجتمع أكثر تقبلاً، يرى الباحث أن الحل يكمن في تعزيز ثقافة الحوار والانفتاح الفكري من خلال:
– تشجيع النقد البناء في المؤسسات التعليمية، بدلاً من ترسيخ الفكر التلقيني.
– تعزيز قيم التسامح والإنصات عبر البرامج التوعوية والإعلامية.
– تفعيل منصات النقاش الهادفة، التي تتيح للأفراد فرصة التعبير عن آرائهم من دون خوف أو تهميش.
التعايش المشترك
وختم أبو فخر حديثه بالتأكيد على أن العالم اليوم بحاجة إلى إعادة اكتشاف قيمة الاختلاف، لا بوصفه تهديداً للهوية، بل كمصدر للثراء الفكري والثقافي، مضيفاً: إن المجتمعات الأكثر تقدماً هي تلك التي تنظر إلى التنوع كعنصر قوة، لا ضعف.
فالاختلاف في الرأي لا يجب أن يكون سبباً للعداء، بل يمكن أن يكون نقطة انطلاق لحوار مثمر، وربما لصداقة جديدة مبنية على الاحترام والتفاهم، فقط عندما نتقبل الآخر بقلوب مفتوحة وعقول واعية، يمكن أن نحافظ على الود رغم اختلاف المواقف والآراء.