نحو اقتصاد سوري جديد.. رؤية عملية للنهوض من بوابة الانفتاح والاستثمار بناء اقتصاد قوي يتطلب جهداً جماعياً “حكومة – مجتمع – أفراد”
هني الحمدان:
في ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية التي تشهدها سوريا، وبعد الإعلان عن رفع العقوبات الدولية والانفتاح المتسارع عربياً ودولياً، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى خارطة طريق اقتصادية متكاملة تتماشى مع توجهات الدولة نحو بناء اقتصاد وطني منتج ومنفتح. هذه المرحلة تتطلب تفكيراً عملياً ومقاربات جديدة، تركز على تعزيز الاستثمار، وتطوير البنية المؤسساتية، وإطلاق طاقات المجتمع السوري بكامل مكوناته.
أولاً لابد من مراجعة العلاقة التقليدية بين الدولة والاقتصاد، لصالح اقتصاد السوق الذي يتيح فرصاً واسعة للمبادرات الفردية، ويعتمد على تنافسية القطاع الخاص. دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتبسيط إجراءات التأسيس والتمويل، وإزالة العوائق البيروقراطية، هي أولى خطوات النهوض، إلى جانب استمرار الدولة بدورها التنظيمي والرقابي من دون تدخل مباشر في السوق.
ولا يمكن الحديث عن جذب استثمارات دون بنية تحتية تكنولوجية متطورة. وفي هذا السياق، تبذل وزارة الاتصالات بقيادة الوزير عبد السلام هيكل جهوداً ملموسة لإعادة هيكلة قطاع الاتصالات وتطوير البنية التحتية الرقمية، بما يشمل توسيع تغطية الإنترنت، ورفع سرعات الاتصال، وتحديث البوابات الإلكترونية الحكومية.. حسب ماأشار الباحث الاقتصادي محمد السلوم ل ” الثورة “.
مثل هذه الخطوات لا تهدف فقط إلى تحسين جودة الخدمات، بل تُعد شرطاً لازماً لجذب المستثمرين وتسهيل ممارسة الأعمال، وخصوصاً في القطاعات الحديثة مثل التكنولوجيا المالية، والتجارة الإلكترونية، والخدمات الذكية. لايزال الطريق طويلاً، لكن ما تحقق حتى الآن يُعدّ أرضية صلبة لانطلاقة رقمية تعزز من تنافسية الاقتصاد السوري.
جانب آخر مهم وهو الاستثمار حيث تشكل بيئة الاستثمار أحد الأعمدة الأساسية في المرحلة القادمة. ومع وجود فرص ضخمة في قطاعات الزراعة، والصناعة، والطاقة، والبنية التحتية، فإن توفير بيئة قانونية جاذبة وآمنة أمر حاسم. ينبغي تسريع تحديث قانون الاستثمار، وتطوير تفعيل نظام “النافذة الواحدة”، وحماية حقوق المستثمرين المحليين والدوليين، بما ينسجم مع معايير الشفافية والحوكمة، ويعيد بناء الثقة حسب ماأكد عليه الباحث الاقتصادي السلوم .
كما أن السياسات المالية والنقدية يجب أن ترتكز على تحقيق الاستقرار في سعر الصرف، وتحسين إدارة الموارد العامة، وتقليص العجز المالي، من خلال إصلاح ضريبي عادل وفعال، وتوسيع القاعدة الضريبية، والتوجه نحو أدوات تمويل أكثر استدامة. كما أن تعزيز الإنتاج المحلي وتشجيع الصادرات سيقلل من الاعتماد على التمويل بالعجز، ويدعم قوة الليرة السورية.
ويذهب الباحث السلوم للقول : إن الإدارة الرشيدة والشفافية ليست ترفاً في هذه المرحلة، بل ضرورة وطنية. يتطلب ذلك إصلاحاً عميقاً في هيكل الجهاز الإداري، وتعزيز المساءلة، ومكافحة الفساد من خلال مؤسسات رقابية مستقلة وفعّالة. بناء الثقة بين المواطن والدولة ركيزة ضرورية لنجاح أي خطة تنموية، ولابد من إشراك المجتمع المدني والإعلام في عملية الرقابة والتقييم.
وهناك عامل إضافي مهم ،للمغتربين السوريين دور محوري في إعادة بناء الاقتصاد الوطني، لما يملكونه من خبرات وموارد مالية وشبكات علاقات دولية. لابد من سياسات حكومية مرنة تستهدف إشراكهم في مشروعات التنمية، وتسهيل تحويلاتهم، وضمان حقوقهم، وإتاحة الفرصة لهم للمساهمة في رسم السياسات الاقتصادية والمشاركة في الحياة العامة.
ويمكننا القول : إن بناء اقتصاد سوري قوي، منتج، ومنفتح، ليس مسألة تقنية فحسب، بل هو مشروع وطني جامع يتطلب توافقاً سياسياً، وجهداً جماعياً من الحكومة والمجتمع والقطاع الخاص. الفرصة اليوم سانحة، والدعم الدولي متوفر، والإرادة الوطنية واضحة. المطلوب هو الشجاعة في اتخاذ القرار، والإصرار في التنفيذ، والثقة بأن سوريا قادرة على النهوض مجدداً كدولة قوية باقتصادها، ومتماسكة بمجتمعها، ومنفتحة بشراكاتها.