الثورة أون لاين:
تحتل مدينة شفشاون المغربية مكانة خاصة في السياحة العالمية، فهي مدينة صغيرة تحضنها جبال الريف في أقصى شمال البلاد، وعلى الرغم من أن استكشافها كلها لا يحتاج سوى ساعات قليلة، إلا أن متعة التعرف إلى أسرارها تبقى حية لوقت طويل. حافظت المدينة على أصالتها وبساطتها وفنها الذي تشبع من ثقافة وحضارة الأندلسيين والموريسكيين، الذين استوطنوها كملاذ آمن بعدما طردوا من الأندلس في القرن الخامس عشر.
شفشاون، هي بالعامية المغربية «الشاون» وأهلها شاونيون معروفون بحسن التدبير والتعامل مع الاخرين. يقال إن اسمها أمازيغي وتعني القرون. لنذهب في جولة خاصة إلى مدينة شفشاون الزرقاء.
للمدينة طابع أندلسي في المعمار، وتتميز بأزقتها الأنيقة الضيقة المطلية بالجير والنيلة الزرقاء التقليدية، التي تمنح العين راحة خاصة، ويقال إن الزرقة صمدت منذ وفود المهاجرين من الأندلس، الذين اختاروا هذا اللون لأجل معانقة السلام والتسامح بعد فترة عصيبة في الاندلس.
ويمكن للزائر أن يكتشف المدينة بأقل قدر من التعب وأكبر قدر من المتعة، لأن صغر حجم المدينة يمنح فرصة اكتشافها بدءاً بوسط المدينة وانتهاءً بالجبال والغابات والينابيع المحيطة بها.
تشتهر شفشاون بينابيع مياهها العذبة، وأشهرها «رأس الماء» الذي يسميه السكان بـ «رأس لما» وطبيعتها التي تدعو إلى التأمل والسكينة، فقد تغنى بجمالها شعراء وفنانون من بينهم الفنان نعمان لحلو، الذي له أغنية شهيرة عن «شفشاون النوارة»، وهي المدينة المتقوقعة في حضن الجبال، لكن سحرها جعل سياحاً كثيرين من داخل وخارج المغرب ومن جنسيات متعددة يزورونها للتجول بسعادة بين دروبها الضيقة الزرقاء، ويلتقطون الصور ويستمتعون بشرب عصير البرتقال الطبيعي أو الشاي مع النعناع.
حيث تمتاز المدينة بأماكنها السياحية التراثية وقصبتها الشهيرة وبساحاتها الجميلة التي كانت تحتضن لوقت قريب مهرجان «البهجة» الذي يقام كل سنة، كما تحتفي فضاءات المدينة بالشعر والمدائح النبوية، التي تقدمها فرق نسائية أصيلة، في ما يعرف بفنّ الحضرة الشفشاونية، وهو نوع من الإنشاد الصوفي العريق الذي تردده النساء.
فالمدينة هي مركز لعدد من أقطاب المتصوفة كالحسن الشاذلي والتهامي الحراق، وتضم زوايا ومزارات عديدة، وتتمتع بشريط ساحلي يمتد على مسافة 120 كلم، حيث المناظر الخلابة التي تبهر السائح.
وتعكس المدينة العتيقة التنوع الحضاري والتاريخي في شفشاون، وهذا سر من أسرار المدينة في محافظتها على سحر خاص بالمقارنة مع باقي المدن المغربية.
زائر شفشاون يمكن أن يمارس متعة التجول ما بين المدينة العتيقة والمدينة العصرية وساحاتها العامة مثل «وطا الحمام»، وهي أكبر ساحات المدينة، المفتوحة على فضاء جميل يضم المقاهي والمطاعم وحوانيت للصناعات التقليدية والتذكارات.
من الأحياء الشعبية حي السويقة من بين الأماكن الأكثر شعبية، وهو واحد من أقدم مناطق المدينة بعد حي القصبة العتيق. استقبل هذا الحي قبل قرون عشرات العائلات الأندلسية التي نزحت من الأندلس، وتطور مع مرور السنين حتى أصبح واحداً من أكبر الحارات السكنية. ويتشابه هذا الحي مع منطقة سكنية أخرى هي «ريف الأندلس»، الذي استقبل فيما مضى أفواجاً كبيرة من النازحين من الأندلس، وهو ما جعلهما يتشابهان في طراز البناء وفي أصول السكان.
هناك أيضاً حي الصبانين، وحي العنصر، وهما يضمان الكثير من الحرفيين والصناع الذين يحافظون على إرث قديم في مجال الصناعات التقليدية.
أفضل نشاط يفضله زوار شفشاون بعد زيارتهم للمدينة العتيقة هو التجول في الغابات والجبال القريبة. يقول عبد السلام المودن لـ«سيدتي»، وهو نائب رئيس المرشدين السياحيين في المدينة، وناشط اجتماعي: «تعد شفشاون من أهم الوجهات السياحية بالمغرب، ويعود تأسيسها إلى القرن 15. تتميز بلونها النيلي المختلط بالجير، وهي عادة قديمة جداً تبنتها نساء المدينة اللواتي كن يطلين البيوت ثلاث مرات في السنة. تتميز المدينة بعدد مهم من الأبواب العتيقة، التي تشكل مدخلاً إلى المدينة القديمة، ثم السور الذي يحيط بالمدينة القديمة، وتتميز أيضاً بصوامعها وهندستها المميزة بشكل رباعي، وتصنف كتراث أصيل من قبل اليونيسكو.
وتوجد في المدينة محميتان، هما المحمية الوطنية «تالسمطان»، والمحمية الطبيعية «بوهاشم»، وتتميز تالسمطان بمنتجعي أقشور وواد القنار، وهذان المنتجعان يستقطبان عدداً كبيراً من السياح، فالمدينة توفر أماكن للإقامات السياحية المصنفة، وعدداً من «الرياضات» التي هي عبارة عن دور تقليدية بطراز أندلسي تمنح إحساساً فريداً بالراحة.
من الأطباق الشعبية :
أكلة الباهيا أو الباييلا الشهيرة
تقدم المطاعم في شفشاون مزيجاً من الأكل المغربي التقليدي، والأكلات ذات التاريخ المشترك المغربي الإسباني، وهي على العموم الأكلات ذات التاريخ الأندلسي التي ورثها الإسبان وحفّظوها باسمهم.
زوار شفشاون يفضلون كثيراً تذوق أكلة «الباهيا» التي تبدع مطاعم المدينة في طهيها أكثر من أي مدينة مغربية أخرى. وكذلك «الطورطيا» الإسبانية أي عجة البطاطا والبصل المقلي مع البيض. يحضر «الطاجين» في المطبخ الشفشاوني باللحم أو السمك، الذي تقدمه الكثير من المطاعم في المدينة، والذي تختلف طريقة طهيه حسب تنوع الأذواق.
البيصر
تعد أكلة «البيصر» كما ينطقها أهل شفشاون أشهر أكلة شعبية بالمدينة، والتي يتفنن أهل المدينة في طهيها على أصولها على نار الحطب وفي قدر من الطين، يتم تحضيرها من حبوب البازلاء اليابسة والثوم وزيت زيتون والكمون. يقال عنها إنها دواء فعال لنزلات البرد والزكام، لذلك يبدو عادياً ذلك الزحام الذي يميز مطاعم البيصر التي يتهافت عليها المغاربة والأجانب على حد سواء.
منتوجات محلية
تشتهر المدينة بالمنتوجات المحلية التي تبدع النساء خاصة فيها، حيث تشهد المدينة انتشار عدد من التعاونيات النسائية، وهي عبارة عن جمعيات تضامنية لتشجيع النساء القرويات، وهكذا تجد أسواق المدينة زاخرة بمواد طبيعية مثل العسل والجبن البلدي والزيتون والتين والكسكس، إلى جانب عدد من منتوجات الصناعة اليدوية من الفخار والنسيج والصوف والجلد والخشب المزخرف.
عرفت المدينة في السنوات الأخيرة توافد عدد مهم من السياح الآسيويين، خاصة الصينيين واليابانيين، الذين كانوا إلى وقت قريب مثار استغراب من طرف السكان والزوار المغاربة، حيث تجدهم بكثافة يتجولون ويطوفون في أرجاء المدينة الجبلية. ولعل تداول صور المدينة وضواحيها الزاخرة بالطبيعة عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، ساهم في التعريف بها، لتصنف في عام 2016 من طرف منصة «كونري ترافلر» الأميركية، كسادس أجمل مدينة في العالم، متقدمة على باريس التي احتلت المرتبة السابعة. كما ان اليوتيوبر الكوري الشاب مينو، اختارها كمدينة للاستقرار النهائي، حيث أعجب بنمط العيش فيها وخصص برامج عن الطبخ والطعام من خلال جولاته في أسرار الطبخ المغربي الشعبي.