الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
هل انطفأت شعلة القومية في واقعنا العربي، وهل خبا وهج الأفكار القومية؟ سؤال يلقي بظلاله على طاولة التفكير والوعي العربي الذي يواجه تحدي المرحلة وما تحمله من ضغوط ومشروعات خارجية بدأت منذ بدايات القرن العشرين عبر اتفاقات استعمارية لا سيما اتفاقية سايكس – بيكو سنة 1916 وقبلها مؤتمر كامبل بنرمان سنة 1907، وتوج بوعد بلفور المشؤوم 1917، وتوالت المخططات العدوانية ضد الأمة العربية بعد قيام الكيان الإسرائيلي، ولا تزال مستمرة حتى الآن وكلها تستهدف وحدة الأمة وتريد تفتيتها وتقسيمها لتحقيق المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة.
وغاية هذا المشروع القضاء على القومية العربية فكراً وممارسة.. تلك الفكرة التي حملت آمال وتطلعات الجماهير العربية عبر عقود من الزمن، حيث خرجت الفكرة القومية من رحم المعاناة والظروف المريرة التي عاشتها الأمة العربية خلال عقود من الاحتلال العثماني فظهرت الفكرة القومية كحل لخلاص الأمة من مشكلاتها.
إلا الفكرة القومية اصطدمت بالواقع العملي، ولم تنجح في تقديم البدائل الخلاقة لأزماته ومشكلاته، وتركزت على الإطار النظري العقائدي المجرد، ولم تتحول الشعارات والفكرة القومية إلى تجسيد عملي، على الرغم من أنها ألهبت المشاعر القومية نحو أهدافها وشعاراتها، فبقيت مجمدة ضمن قوالب غير قادرة على مواكبة روح العصر.
من هنا أكد السيد الرئيس بشار الأسد لوفد المؤتمر القومي العربي الإسلامي أن فكرة القومية هي فكرة انتماء، وضرورة ربط الأفكار المبدئية والعقائدية بمصالح الشعوب.
لذلك تكون فاعلية الأفكار في التطبيق العملي الصحيح وقدرتها على خلق البدائل الخلاقة لحل مشكلات الواقع وأزماته، وضرورة الربط بين فكرة القومية وبين الهوية والانتماء.. فالشعور القومي لا يكفي لقيام وحدة أو أي عمل وحدوي بل يحتاج إلى خطوات تعزز هذا الشعور وتحقق الانتماء والالتزام الصحيح بهوية هذا الشعور.
ويحتاج الفكر القومي لتجسيده إلى آليات ووسائل ومؤسسات اقتصادية وسياسية وثقافية وعلمية تستوحي من الفكر القومي مبادئها وسياساتها وخططها.. ومن الهوية والانتماء الممارسات المشتركة والوحدوية لحل مشكلات الواقع وأزماته، وتواكب التطورات الحديثة.
وقد واجهت الفكرة القومية الكثير من التحديات التي عملت على تهميشها وخصوصاً من قبل المشروعات الاستعمارية الغربية التي أرادت إفراغها من جوهرها الغني وجعلها شكلاً أو إطاراً شكلياً لا تأثير له في الواقع، وعملت أيضاً على تنفير الشباب من هذه الفكرة وتصويرها بأنها سبب ضياع الأمة وتخلفها.
وقامت الليبرالية الجديدة بمحاولة فصل الفكرة القومية عن الشباب من خلال بث أضاليل وأكاذيب مخيفة عززتها بعض الممارسات القاصرة لبعض التيارات القومية وجمود فكرها وعدم مواكبتها للتطورات.
وقد دفعت سورية ثمن مواقفها القومية ودعمها للمقاومة ووقوفه بوجه المخططات العدوانية التي تستهدف إرادة الأمة بأكملها.
لذلك أكد الرئيس الأسد أهمية ربط الشباب بفكرة القومية وعلاقتها المباشرة بالانتماء والهوية كتجسيد واقعي للفكر القومي وتربية الجيل للالتزام بقضاياه الرئيسة.
ومن هنا دعا الرئيس الأسد خلال اللقاء إلى ضرورة تجديد لغة الخطاب القومي التي تتم من خلالها تقديم فكرة القومية بمعناها الأساسي إلى الأجيال الشابة وإقناعهم بارتباطها بمصالحهم ومستقبلهم وإقناع الشباب بوجود علاقة مباشرة بين الانتماء والمصلحة.. بين الفكرة القومية والانتماء للأمة وهويتها ومصلحتها كي تبقى متقدة لا تخبو، وأن ما يستهدف بلداً عربياً من أطماع خارجية يستهدف الأمة بأكملها، لأن الدول العربية تعتبر ساحة قومية واحدة.. ولأن المخططات الاستعمارية تستهدف الدول العربية جميعها لا تستثني أحداً، وإذا ابتليت أي دولة بمخططات تقسيمية أو انعزالية أو طائفية فإن انعكاساتها الخطيرة لن تبقى ضمن حدودها الجغرافية، بل ستنتقل إلى الدول العربية الأخرى.
وعلى الرغم مما أصاب الفكرة القومية من انتكاسات في المرحلة الراهنة بسبب استهداف المشروع الغربي للمشروع القومي والأمة العربية بكل أقطارها إلا أن صمود سورية شعباً ودولة وجيشاً وقيادة في وجه التحديات والصعاب التي تعرضت وتتعرض لها، إضافة إلى الانتصار الذي حققته المقاومة الفلسطينية في غزة مؤخراً على العدوان الإسرائيلي، وتحرك الشعب العربي في أقطاره كافة وتفاعله مع هذا الحدث، أعاد الاعتبار للمشروع القومي، وأثبت أن الشعب العربي في أقطاره هو ساحة قومية واحدة مشتركة بالهموم والتحديات والاستهدافات، تتفاعل فيها الهموم القومية المشتركة وتتعزز فيها المقاومة والصمود للتصدي لكل المشروعات والمخططات الاستعمارية الغربية في المنطقة.