الثورة – رنا بدري سلوم:
“فما بال النار تشتعل اشتعال العَرْفَج اليابس، حتى إذا استجارَ بها أجارته بشواظٍ من نحاس، وقوده الأشجار والحجارة وفؤادٌ محبٌ لا يملك غير دمع العين وسيلة إطفاء، فلا يجدي نفعاً لإخماد الوهج في شتلةٍ تتلظى”.
لقد عزَّ عليهِ أن تصير بلاده إلى أعجازِ نخلٍ خاوية، فهل قضى الله في سوريّا أن تكتوي بضرامٍ من كلِّ نوعٍ؟.
سؤال يسأله الروائي والمعالج النفسي المهنّدْ الناصِر، وفي حديثه لـ”الثورة” يصف الجحيم الذي يهد القلب اليوم فيشتعل،
يرمي عليه الماء فيصير جذوة، فيلقي فوقها تراباً فلا يقنع غليل لظىً يلتهم الأشجار والبيوت.
اضطراب من لهب
“زلزالٌ نفسيٌّ يمزق نسيج الذاكرة الجمعيّة، متجاوزاً حدود الدمار المادي إلى كارثة هي في حقيقتها كتلةٌ خبيثة تنتشرسرطاناً خفيّاً في النفس لتظهر لاحقاً على شكل اضطراب نفسي يُصطلح على تسميته “باضطراب ما بعد الصدمة”- وفقاً للناصر، مبيناً أن مشهد الحرائق سيترك ندوبه غيرالمرئيّة لتخرج على هيئة كوابيس وقلق وفزع لمن عاش ليلةً محاطاً بهلعٍ من لهب، أو عجزٍ في أن يردَّ عن الأرض والذاكرةِ مصير الرماد، أو فقدَ منزلاً وذكريات طفولة في قرية لم تنج.
قرأ الناصر مشاعره أمام المتضررين من اشتعال الحرائق بمنشور لسيدة تودّع ذكريات طفولتها في غابات “الفرنلق” المحترقة، قائلاً: أدركتُ أن الكارثة لن تزول مع سقوط المطر، بل ستتطور إلى اضطرابات عابرة للأجيال، فمن بلد ما زال يلملم جراحه من خيبات الحرب والزلازل إلى وطنٍ يجد نفسه اليوم في مواجهة حريق آخر، لتتعمق الفاجعة فلا يجد أهله سبيلاً إلى إخماد الحرائق، ليصير الحريق حريقين: خارجي يلتهم كلّ شيء، وداخلي يغذّي الفقدان المزمن للأمان.
سلامٌ عليك بنارك
داعياً الناصر مجتمعه مخاطباً إياه بدلاً عن روايات المؤامرة، دعونا نواجه أولاً :حقيقة أن الكارثة ليست موسمية، ولا يكفي أن ننتظر المطر والغيث، بل يجب أن ندرك أن العلاج الحقيقي يبدأ بتكاتف المجتمع، أن نتعلّم كيف نحمل جراحنا معاً، وأن نؤازر فرق الدفاع المدني والمتطوعين لإيقافها، ثم بعد ذلك أن نسعى ألا تتكرر، سواء عن طريق زراعة أشجار صعبة الاشتعال أو وضع فواصل بين الغابات لدرءِ خطرِ الانتشار، أو حتى أن نواجهها بروح أقل احتراقاً، وأكثر وعياً، وأشدّ صلابة، وأن نتعلم أن هذه الأرض بكاملها هي المكان الوحيد في هذه المجرّة الذي يصلح أن يعيش عليه الجنس البشري، وأن فقدنا لهذا الكوكب يعني أن تندثر الإنسانية وكل كائنٍ يدبُّ على هذه الأرض.
فسلام عليكِ سوريا بحزنك، وسلام عليكِ بناركِ، وسلامٌ على من يعملون لأجلكِ، فما من شيءٍ يُقال أمام هول الكارثة.