الملحق الثقافي:د. عدنان علم الدين زيدان:
الأدبُ غذاءُ الروح، كما الطعام غذاء الجسد.. الأدبُ بستانٌ كبيرٌ، لا حدود لثماره واخضراره، فهو الفضاء الرحب للعقلِ البشري، به تنمو وتتنوع وتتعدّد وتتلاقح الأفكار، وتسرحُ في دنيا الواقع، والمدى لانهائيّ الخيال.. به أيضاً، تتشكّل كلّ أصناف الإبداعاتِ البشرية، ويَبقى العقلُ هو المنتجُ الوحيد، والشريان المغذّي لكلّ حواسِ الروح..
في كلِّ يومٍ إنتاج جديد، ووردة جديدة، وعطر جديد، يتلقاهم الإنسان بكلِّ امتنان، ويسرح في رحابهم، ويشعر بالمتعة في استقبالهم، إن جاز التعبير.
لم يكن الأدب دائماً، متعة للجمال والحبّ والفخر والمديح والرثاء، وإنما كان توثيقاً للتاريخ الإنسانيّ، وديواناً للعقل البشريّ، ووسيلة للتواصلِ الإنسانيّ، وينابيع من الفكر والإنتاج والمبادئ، التي تغيّر العالم باستمرار..
إنه ما جعله أقوى الأسلحة على مرّ العصور، فالقوى والترسانات العسكريّة تُهزم وتزول، أمّا الإنتاج الأدبيّ، فهو ثابتٌ منذ الأزلِ وحتى الأبد – برأيي الخاص-، فما كتبه الأدباء منذ فجر التاريخ، مازال يستقطبُ الإنسان حتى يومنا هذا، وسيبقى إلى ما لا نهاية.
أقول هذا، لأن مهنتي كطبيب، قد منحتني وعلى مدى أكثر من أربعةِ عقودٍ من الزمن، فرصة بل فرصاً كبيرة، لمعرفةِ ما يجري في البيئات التي عملت وما زلتُ أعمل بها، وكَشفتْ لي أسراراً كبيرة، يواريها الناس ويدفنونها في داخلهم إلى ما شاءت الحياة، فالعيادة هي أكبر معبدٍ للاعتراف، وتبقى ثقة الناس بك، هي حجرُ الأساسِ الذي يجعلهم يكشفون كلّ أسرارهم ومعاناتهم، وربما طموحاتهم.
حتماً، لم تأتْ هذه الثقة من العدم، فالممارسة الطبيّة تسمح لك برؤية البيئة والنَّاس عُراةٌ، دون رتوشٍ أو تمويهٍ أو تزييف، ولاسيما إذا نظرتَ بمنظارِ الحياد المطلق، بعيداً عن مصالحك ورغباتك وطموحك وأهدافك.. ساعتها، ستدرك الحقائق التي تهبك فيضٌ غزير للإسهاب والكتابة والتدوين، وأكاد أجزم أن مشاكل الناس وأهدافهم وآمالهم، هي نفسها منذ بداية التاريخ وحتى الأبد، فما يتغيّر، الأساليب والإمكانيات، ولهذا فإن تماهي الأدب بحياة الناس، ومشاعرهم وعواطفهم وطموحاتهم، يجعلهُ ثروة أبديّة، غير قابلة للزوال، وصالحة لكلّ الناس، وكلّ العصور..
التاريخ: الثلاثاء20-7-2021
رقم العدد :1055