حلب بين العطش والاستغلال.. أزمة مياه تعيد الصهاريج

الثورة – جهاد اصطيف:

في ظل صيف لاهب وظروف معيشية خانقة، تعود “موضة ” صهاريج المياه إلى بعض شوارع مدينة حلب، وتحديداً في أحياء الحمدانية وصلاح الدين، لتكون الحل الوحيد – وإن كان مؤقتاً ومكلفاً – أمام أزمة مياه شرب تفاقمت مؤخراً نتيجة تعثر الضخ من الشبكة العامة، لأسباب متعددة، وسط سخط شعبي لا تخطئه العين.

المعاناة تعود.. والأمل يتبخّر

على مدار أشهر مضت، تفاءل أهالي الأحياء بتحسن جزئي في وصول المياه إلى بيوتهم، بعد وعود عدة ومشاريع قيل إنها سترفع من كفاءة التوزيع والضخ، لكن الواقع سرعان ما خيّب الآمال.

وفي أحياء الحمدانية وصلاح الدين، عاد مشهد الصهاريج الخاصة محملة بالمياه، مقابل أسعار خيالية، لتشكل عبئاً إضافياً على كاهل المواطنين، وسط شكاوى من غياب الرقابة وغياب العدالة في التوزيع.

” ندفع 125 ألف ليرة سورية مقابل صهريج ألف ليتر مياه، بالكاد يكفينا ليومين، وإن لم ندفع نبقى بلا نقطة ماء”، هكذا تحدثت أم إياد، ربة منزل تقطن في الطابق الثاني من بناء بحي صلاح الدين، مؤكدة أن الضخ من الشبكة لا يصل حتى الطابق الذي تقطن فيه، فكيف الحال بالنسبة للقاطنين في الطوابق العلوية مثل الخامس أو السادس؟، فالأهالي يعودون إلى تعبئة الخزانات من الآبار أو عبر الصهاريج الخاصة التي عادت لتمتص ما تبقى من قدرتهم الشرائية!.

أبو خالد، موظف متقاعد من الحي نفسه، وصف الأمر بأنه “عودة إلى الوراء”، مضيفاً: كنا نعتقد أن مرحلة الصهاريج انتهت، لكن الواقع أقسى، فالضخ متقطع وضعيف، والمياه التي تصل غير كافية حتى لغسل الملابس، فما بالك بالشرب والاستحمام!.وفي الجولة التي قامت بها صحيفة الثورة في الأحياء المذكورة، عبّر المزيد من المواطنين عن استيائهم الكبير من ضعف الضخ، الذي وصفه بعضهم بـ”الغياب الكامل”، رغم تأكيد الجهات الرسمية أن المياه تُضخ وفق برنامج معلن.

فاطمة، وهي ربة منزل تسكن الطابق الثالث في أحد أبنية حي صلاح الدين، أشارت إلى أنها تنتظر يومين وثلاثة أو أكثر حتى تصل المياه، وإن وصلت، فهي بضغط لا يكفي حتى لتعبئة وعاء صغير، فكيف بمنزل بأكمله؟ مضيفة: أصبحنا مرغمين على شراء صهاريج مياه بمبالغ خيالية، وهذا فوق طاقتنا وسط الغلاء الجنوني .

وفي حي الحمدانية، لا يختلف الحال كثيراً، حيث بيّن الشاب محمد إلى أن شراء المياه بات جزءاً من الروتين اليومي للعائلة التي باتت تخصص ميزانية أسبوعية للمياه، ولا ضخ كافٍ من الشبكة، وكل ما قيل عن تحسن الواقع المائي لم يترجم على الأرض.

المياه: الضخ مستمر.. والتحديات كبيرة

مؤسسة مياه حلب، أوضحت أكثر من مرة أن المياه تُضخ وفق برنامج محدد، والمشكلة ليست في الانقطاع التام، بل في ضعف الضغوط الناجم عن التعديات على الشبكة، وانخفاض الطاقة التشغيلية، والنقص المزمن في الكهرباء، محملة جزءاً من المسؤولية إلى السلوكيات الخاطئة لبعض السكان، مثل استخدامها في غير محلها وهدرها وعدم استرشادها بالشكل الصحيح، ما يؤدي إلى حرمان الآخرين من المياه.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، نظّمت محافظة حلب ورشة بعنوان “واقع وتحديات مياه الشرب في مدينة حلب والحلول اللازمة”، حضرها مسؤولون من وزارات الطاقة، والإدارة المحلية، والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني.

خلال الورشة، كشف ممثل وزارة الطاقة، المهندس طاهر العمر، عن حجم الكارثة، متحدثاً عن فقدان نحو 90 بالمئة من الطاقة التشغيلية لشبكة المياه في حلب، بفعل الدمار الحاصل، والتعديات المتكررة، ونقص الصيانة، وغياب التجهيزات، إضافة إلى التغير المناخي الذي خفض منسوب نهر الفرات بشكل خطير.

وأشار إلى أن محطة البابيري الرئيسية تعمل بمضختين فقط من أصل 14، وهي بالكاد تؤمن الحد الأدنى من الاحتياج السكاني.

من جانبه، أكد معاون محافظ حلب لشؤون الصحة والزراعة، الدكتور بركات اليوسف، أن الهدف من الورشة ليس فقط تشخيص المشكلة، بل وضع خارطة طريق لإنقاذ حلب من “العطش الجماعي”، داعياً إلى تكامل الجهود مع المنظمات الدولية ووضع المياه في مقدمة أولويات المرحلة القادمة .

مشاريع قيد التنفيذ .. ولكن!

كما استعرض مدير مؤسسة المياه في حلب، المهندس جمال ديبان، ما وصفها بالإنجازات التي تحققت رغم الإمكانيات المحدودة، منها: تشغيل محطتي باب النيرب وسليمان الحلبي بالتعاون مع الصليب الأحمر ومنظمة أورانج، وتأهيل محطات عين البيضا في الباب، وتل أسود في الريف، واستبدال بعض خطوط الشبكة القديمة في العديد من أحياء حلب وأن العمل ما زال مستمراً في هذا الاتجاه .

المواطنون يطالبون بالحلول

وفيما رحب عدد من المواطنين بعقد ورشات كهذه وطرح التحديات، إلا أن العديد منهم اعتبروا أن الورشات والاجتماعات واللقاءات، لا تكفي ما لم تنعكس على الأرض.. وأوضح عمر من حي الحمدانية، أن الأهالي يريدون أن يشربوا ماء من الصنبور، لا أن يقرؤوا عن خطة أو مشروع، ما الفائدة من كل هذا الكلام إذا كانوا يشربون من صهريج خاص يدفعون ثمنه باهظاً؟!. مدينة حلب، التي عانت من سنوات الحرب والدمار، تدخل اليوم في “معركة جديدة من نوع آخر”، معركة من أجل قطرة ماء نظيفة، وبين صهاريج الاستغلال ووعود الجهات الرسمية، يقف المواطن في المنتصف، متعطشاً للحل، لا للشرح والتبرير.

فهل تنجح الجهود المشتركة في إعادة الحياة إلى الشبكة؟ وهل يجد المواطن الماء في بيته قريباً كما كان؟. الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.

آخر الأخبار
توقيع عقود تصديرية.. على هامش فعاليات "خان الحرير- موتكس"     تشكيلة سلعية وأسعار مخفضة.. افتتاح مهرجان التسوق في جبلة السياحة تشارك في مؤتمر “ريادة التعليم العالي في سوريا بعد الثورة” بإستطاعة 100ميغا.. محطة للطاقة المتجددة في المنطقة الوسطى "خان الحرير - موتكس".. دمشق وحلب تنسجان مجداً لصناعة النسيج الرئيس الشرع أمام قمة الدوحة: سوريا تقف إلى جانب قطر امتحان موحد.. "التربية" تمهّد لانتقاء مشرفين يواكبون تحديات التعليم خبير مالي يقدم رؤيته لمراجعة مذكرات التفاهم الاستثمارية أردوغان: إســرائيل تجر المنطقة للفوضى وعدم الاستقرار الرئيس الشرع يلتقي الأمير محمد بن سلمان في الدوحة قمة "سفير" ترسم ملامح التعليم العالي الجديد خدمات علاجية مجانية  لمرضى الأورام في درعا الرئيس الشرع يلتقي الشيخ تميم في الدوحة الشيخ تميم: العدوان الإسرائيلي على الدوحة غادر.. ومخططات تقسيم سوريا لن تمر الحبتور: الرئيس الشرع يمتلك العزيمة لتحويل المستحيل إلى ممكن فيصل القاسم يكشف استغلال "حزب الله" وجهات مرتبطة به لمحنة محافظة السويداء ضبط أسلحة وذخائر معدّة للتهريب بريف دمشق سرمدا تحتفي بحفّاظ القرآن ومجودي التلاوة تنظيم استخدام الدراجات النارية غير المرخّصة بدرعا مطاحن حلب تتجدد بالتقنية التركية