الثورة أون لاين – فؤاد الوادي:
لم يكن باستطاعة أحد من المحللين العسكريين أن يفسر ما قام به الجيش العربي السوري إلا بالقول: (إن الأمر عصي على التفسير، إنه أشبه بالمعجزة)، فكيف لجيش راهن الجميع على انهياره وتفككه واستسلامه بعد أشهر قليلة من بداية الحرب الإرهابية عليه أن يحافظ على ألقه وجذوة صموده وتماسكه وقوته متقدةً بعد كل هذه السنين التي كانت متخمةً بأشرس المعارك وأعنفها وأعقدها والتي لم تتوقف لحظة واحدة، وعلى مختلف الجبهات، وفي مواجهة عدة أطراف دفعة واحدة وعلى أكثر من جبهة.
تفسير ذلك كان دائماً يأتي من قلب الميدان مع كل نصر جديد للجيش العربي السوري، يؤكد فيه أنه القادر دوماً على اجتراح المعجزات وصناعة المستحيل ومعانقة النصر مهما ظن البعض أن ذلك صعب ومستحيل وبعيد المنال، لأنه الجيش الذي نشأ على الشجاعة والقيم والمبادئ والأخلاق الحميدة، ولأنه الجيش الذي تربى وترعرع في مدرسة القائد الخالد حافظ الأسد الذي غرس فيه حب الوطن، الحب الذي لا يدانيه أو يجاريه حب.
البحث في أسباب قوة الجيش العربي السوري وقدرته الاستثنائية على الصمود والمواجهة وتحقيق الانتصار تلو الانتصار وامتلاك زمام المبادرة رغم استعار المعركة واستشراس الأعداء قد يبدو شائكاً وصعباً للغاية، كما أن الولوجَ إلى أسباب هذا الإعجاز والإمساك ببعض خيوطه قد يكون أكثر مشقة وإنهاكاً لان ذلك وبحسب الكثير من الباحثين العسكريين يحتاج إلى أبحاث ودراسات معمقة وطويلة، وقد يحتاج الأمر إلى سنين طويلة، لكننا قد نجد أنفسنا مضطرين إلى وضع اليد على بعض النقاط الأساسية لصمود جيشنا البطل وإعجازه المتواصل في الميدان.
تعدد المهام وتنوعها وتباينها إلى حدود التناقض الحاد في كثير من الأحيان أي الجمع بين المتناقضات والمتضادات، كانت الجامع الأبرز لإعجاز جيشنا البطل في حربه على الإرهاب، بالإضافة إلى سرعة تكيفه مع هذه المهام بشكل مفاجئ وصادم للعدو، وهو الأمر الذي كان يؤدي في كثير من الأحيان إلى قهر العدو وحسم المعركة حتى قبل أن تبدأ.
كما أن القدرة والديناميكية العالية على خوض المعارك وإدارتها رغم تنوعها وطبيعتها القتالية المعقدة وظروفها القاسية، و رغم كثافة المهام وتباينها أحياناً وتناقضها أحياناً أخرى، كانت من أبرز ما اتسم فيه الجيش العربي السوري، وللعلم هذا ضد الطبيعة العسكرية والقتالية والتركيبية والبنيوية لأي جيش في العالم مهما كانت حدود خبراته ومهاراته وقدراته وإمكاناته واسعة وكبيرة، ذلك أن الاستراتيجية العسكرية الشاملة لأي جيش في العالم لابد أن تكون محكومة بطبيعة التهديدات الممكنة المتوقعة والتي غالبا ما تكون مأخوذة بعين الاعتبار وموضوعة ضمن بنك من الاحتمالات والخيارات المتوقعة يقابلها سلة متكاملة وشاملة من الردود التي تغطي تلك الاحتمالات والخيارات، والتي ترتبط بمجملها بظروف البلد وطبيعته الجيوسياسية.
كما أن أي جيش في العالم وقبل أن يخوض حروبه، والتي غالبا ما تكون دفاعا عن الوطن، فإنه بالتأكيد يعكف على دراسة إمكانيات وبنية وطبيعة الجيش المقابل وكل ما يتعلق به بهدف خلق الظروف المواتية التي تمكنه من مواجهة هذا العدو الذي يكون في الغالب ذا لون وطابع واحد سواء في الشكل أو في القوام، على عكس ما يحصل على الأرض السورية حيث يواجه الجيش العربي السوري أكثر من عدو وأكثر من طرف وجميعهم متلونون ومتبدلون ومختلفون في العقيدة والشكل والبنية والحجم وإدارة المعارك التي يُدار بعضها من غرف عمليات خارج سورية إلى حدود التناقض الكبير والتباين الشديد، مع ملاحظة أن الجامع والمتشابه الوحيد بينهم هو تدمير الدولة السورية، ناهيك عن وجود مجموعات وتنظيمات إرهابية تقاتل منفردة وبشكل مفرط في الوحشية والدموية والفوضى والعشوائية، وهو الأمر الذي كان يشكل في بعض الأحيان إرباكا حقيقيا للجيش السوري، انطلاقا من أن تلك المجموعات الإرهابية كانت تستهدف كل ماهو موجود أمامها دون تمييز وبشكل عشوائي سواء أكان عسكريا أو مدنيا طفلا كان أم شيخا أم امرأة، بالإضافة إلى استخدام تلك المجموعات أسلحة محرمة دوليا واتخاذها المدنيين والأطفال والنساء دروعا بشرية، وهذا ما يصعب التعامل معه في الميدان كونه يحتاج إلى حرفية وحنكة قتالية عالية وصبر عسكري واستراتيجي لا حدود له قد يستنزف القدرات والطاقات والإمكانات في بعض الأحيان ويؤدي إلى خسائر بشرية ومادية فادحة.
عبر التاريخ لم نسمع أن جيشا خاض هذا الكم الهائل من المعارك المتنوعة، سواء كان هذا التنوع لجهة الطبيعة الجغرافية أو لجهة الأسلوب و الشكل أو لجهة الطريقة التي تدار بها المعركة، أو لجهة اجتماع عدة معارك مختلفة في الشكل والمضمون والمستوى على جبهة واحدة، فلم يعرف قط عن أي جيش في العالم انه حارب بطبيعتين مختلفتين إلى حدود التناقض أحيانا كما فعل الجيش العربي السوري الذي خاض أصعب المعارك وأعقدها عسكريا وتقنيا، بدءامن حروب المدن والمناطق والبلدات
والشوارع والأحياء الآهلة بالسكان والأماكن الحساسة والمعقدة جغرافياً وديمغرافيا، ومرورا بحروب المرتفعات والجبال الشاهقة والتضاريس الصعبة وحروب الصحارى والسهول وحروب المناطق والأماكن التي تحوي منشآت حساسة ومواقع هامة واستراتيجية كآبار النفط وسدود المياه ومحطات توليد الكهرباء، وليس انتهاء بحروب الأنفاق وحروب الحدود المتداخلة مع دول الجوار، مع ملاحظة أن جميع تلك المعارك كان العامل البشري حاضرا فيها بقوة، ذلك أن معظم المناطق التي كان يستولي عليها الإرهابيون مأهولة بالمدنيين الأبرياء الذين غالبا ما تستخدمهم المجموعات الإرهابية دروعا بشرية، الأمر الذي كان على الدوام يصعب من طبيعة المعركة بالنسبة للجيش السوري صاحب العقيدة العسكرية القتالية الواضحة الذي يرفض استهداف المدنيين بأي شكل من الأشكال.
تبقى معجزة الجيش العربي السوري في عقيدته القتالية التي ترتكز على باقة خلاقة من القيم والمبادئ والثوابت التي كانت وستبقى هي الملهم والمحرك الأساسي له في كل معاركه لجهة ضبط إيقاعه في الميدان وكبح الفائض الكبير من غضبه وشجاعته المعروفة لاستثمارها في التوقيت الذي يحدده هو.