الثورة – إيمان زرزور:
مع تسارع التطور التكنولوجي واعتماد البشر المتزايد على وسائل الاتصال، أصبحت شبكات الهاتف والإنترنت شرياناً حيوياً يربط الناس بأسرهم وأعمالهم وبمحيطهم العام، إلا أن هذا الشريان يعاني من اختناق حاد في محافظة إدلب، حيث ما تزال خدمة الاتصالات أحد أبرز التحديات التي تقف في وجه استقرار الحياة وعودة السكان إلى قراهم ومدنهم.
على مدى سنوات الحرب في سوريا، تعرضت البنية التحتية الخاصة بشركات الاتصالات المحلية، وفي مقدمتها أبراج التغطية، إلى القصف المتكرر والتخريب والنهب، مما أدى إلى انقطاع شبه تام في التغطية عن محافظة إدلب، ودفع السكان إلى اللجوء للبدائل مثل الإنترنت الفضائي التركي وشبكات الاتصال المحلية التي نشأت بشكل غير رسمي لتلبية الحاجات الأساسية للناس.
عقب سقوط نظام المخلوع بشار الأسد، حاولت شركتا الاتصالات “سيرياتيل” و”MTN” استئناف خدماتهما في مناطق إدلب، وقد بدأت بالفعل بتقديم خدمات جزئية، إلا أن هذه العودة لم تكن شاملة أو كافية، فضعف التغطية، لا سيما في المناطق الريفية، جعل هذه الخدمات شبه معدومة في كثير من القرى والنواحي، حيث لا تزال الأبراج غير مفعلة أو بعيدة عن التجمعات السكانية.
انعدام التغطية الجيدة لم يعد مجرد عائق تقني، بل تحول إلى مشكلة حياتية كبيرة تؤثر على حياة الأهالي اليومية، إذ يعيق التواصل بين الأفراد، ويعطّل الأعمال، ويحول دون الوصول السريع لخدمات الطوارئ أو المعلومات الضرورية، كما أن هذا الخلل يُثقل كاهل العائلات التي عادت إلى قراها بعد سنوات من النزوح، ويقوّض فرص الاستقرار الدائم والتنمية المحلية.
يتطلب هذا الواقع استجابة سريعة من الجهات المعنية، سواء من السلطات المحلية أو من الشركاء التقنيين، عبر تفعيل أبراج التغطية القائمة، أو بناء بنية جديدة تغطي كامل جغرافية المحافظة، بما يشمل المدن والأرياف، فالاستثمار في قطاع الاتصالات ضرورة ملحة لضمان الحد الأدنى من التواصل، وتمكين المؤسسات والقطاعات الخدمية من أداء وظائفها.
تشكل أزمة الاتصالات في إدلب نموذجاً واضحاً لغياب البنية التحتية في مرحلة ما بعد الحرب، وهو ملف يتطلب رؤية متكاملة واستجابة عملية تضمن استقرار الأهالي وتعزيز فرص التنمية، فمن دون شبكات اتصال فعالة، تبقى إدلب بعيدة عن اللحاق بركب الحياة الحديثة، وتظل محاولات إعادة الإعمار والعودة محفوفة بالمصاعب والتحديات.