من المفترض لو صدقت العناوين أن يكون الخاسر الأكبر مما جرى في منطقتنا العربية من انتفاضات وثورات هو الأنظمة القمعية والولايات المتحدة الأمريكية واستطراداً إسرائيل، والرابح هو قضية الديمقراطية والقوى المعادية للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة لأسباب عديدة منها أن أغلب الأنظمة التي سقطت كانت تتبع سياسات داخلية هي كثيرة الشبه بأدائها الخارجي فبقدر ما فيها من فساد وظلم وغيره من مواصفات الحكم غير الرشيد فهي بالقدر ذاته بالغة السوء في أدائها السياسي الخارجي، وكل ما يحمله من تبعية وابتعاد عن القضايا المتعلقة بالكرامة الوطنية وغيرها من معان ترتبط بالمركب العمومي التاريخي والمجمل الثقافي الذي يشكل الوجدان الجمعي لأبناء الشعب وهو لا يقل أهمية وتأثيراً عن غيره من قضايا مؤثرة في اتجاهات الرأي العام.
والسؤال هو عن ردة الفعل السياسي الإسرائيلي على ما حدث استراتيجياً والى أي مدى استطاعت الولايات المتحدة الأميركية تحمل الصدمة والتعامل مع الواقع الجديد مع إدراكها العميق لما يمكن أن تسير عليه الأمور مستقبلاً وانعكاسه على مصالحها ومصالح حلفائها الاستراتيجية في المنطقة، إذا أخذنا في الاعتبار حالة الاصطفاف السياسي والشعبي في المنطقة على فرضية وجود مشروعين يعيشان وعاشا حالة اشتباك وعلى أكثر من جبهة ؟ هنا يجب أن يقفز إلى الذهن موضوع توازن الخسائر وأعني به تحديداً سعي أميركا وإسرائيل إلى تعويض خسائرهما في مصر وتونس بتوجيه ضربة استراتيجية لقوى المشروع المقاوم في الطرف الآخر، وهنا برزت الحالة السورية كهدف يشكل المعادل المكافئ في القوة والتأثير موازياً لتلك الخسارة لذلك كله علينا ألا نستغرب ما جرى خلال السنوات الماضية من محاولات استهداف للحالة السورية عبر استثارة فعل داخلي وخارجي تحريضي مستغلاً كذريعة وغطاء سلوكيات وأفعال ذات بعد شخصي تتعلق بالأداء أو سوء استخدام للسلطة للنيل من الحالة الوطنية، واستطراداً الفعل السياسي الاستراتيجي المواجه والمقاوم بعد الفشل في مواجهته سياسياً وعسكرياً وإعلامياً.
إن ما يؤكد وجهة النظر تلك هو حجم التجييش السياسي والإعلامي والنفسي ومحاولة تضخيم ما حدث في مدينة درعا والسعي الحثيث لتوظيفه وتظهيره لخدمة قوى الهيمنة التي اندحرت وتراجعت في أكثر من بؤرة من بؤر الصراع في المنطقة، في محاولة يائسة لالتقاط أنفاسها وإكساب مشروعها الهيمني وقوداً إضافياً يكسبه القدرة على الاستمرار بأي صورة كانت والعودة للمربع الأول، والسعي الحثيث لإبقاء الجرح السوري نازفاً وجعل الساحة السورية مرتعاً لقوى خارجية تتمدد فيها تحت عناوين شتى وتنهب وتسرق وتستثمر في ثروات الشعب والوطن في سعي واضح ما هو إلا الحل الذي يؤدي إلى مزيد من الاستنزاف وفاتورة الخسائر ومعاناة معيشية للشعب السوري الذي دفع إكلاف باهظه في إطار دفاعه عن وحدة أرضه وشعبه وسيادته الوطنية ومازال؟.
إضاءات- د. خلف المفتاح