افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير-علي نصر الله:
يَتفاعل الحدثُ الأفغاني على نطاق دولي واسع وسطَ تَباينات في القراءة تَستمر إن لمُجرياته وتسارع تطوراته، أو للتداعيات المُحتملة والاستهدافات والتحديات الحتميّة التي تُهدد دول الجوار والمنطقة، ذلك مع عدم تَوقف التّكهنات المُتصلة بمُوجبات الخروج الأميركي من أفغانستان المُعلنة منها والمَخفية.
مُوجبات الخروج – الانسحاب، الهزيمة – الأميركي المُعلنة والمَخفية قد تَبقى لغزاً لا تُفككه سوى الأيام وما ستَحمله من سلوك أميركي، وسوى المُذكرات التي سيَكتبها المسؤولون في أميركا وتحالفها، وبالتأكيد فإنّ هذا لا يُلغي أنّ ثمة خزانات أُخرى للمعلومات غير أميركية قد تَكشف في لحظة سياسية ما عن الكثير مما تبحث عنه الدول والحكومات وأجهزة الاستخبارات لفهم ما جرى ليُصار إلى البناء عليه.
في أعقاب استبعاده عن السلطة القذرة الفاجرة، كشفَ حمد بن جبر آل ثاني عن ورطة بلاده وتَورطها بدعم الإرهاب في سورية، مُعلناً أرقامَاً مالية فلكية أنفقتها مَشيخة قطر على تمويل وتسليح حُثالات تكفيرية لاستهداف سورية مَوقعاً ودوراً ومجتمعاً، فاضحاً دور الدوحة ومُوجبات انتقالها إلى المَقعد الخلفي بعد تَقدُّم من تَختلف معها الدوحة اليوم لقيادة عملية استهداف سورية.
الدوحة ذاتها التي لعبت كل الأدوار القذرة في استهداف الأمة وقضيتها المركزية فلسطين، تلعبُ اليوم دورَها الوظيفي في أفغانستان وربما إلى ما هو أبعد منها، فهي المكان الذي جرت فيه ما سمّي المفاوضات الأفغانية – الأفغانية بالرعاية الأميركية منذ أيلول 2020، وهي المقر الذي جرى فيه التفاوض الأميركي – الطالباني وصولاً للاتفاق المُوقع بين الجانبين.
المسؤولون بالدوحة وزلماي خليل زاد، خَزانان لا تَنأى عنهما أجهزة استخبارات اللص أردوغان التي كانت شريكة بالترتيبات التي تَعلقت بالاتفاق، بالخروج الأميركي، وبما بَعده، حيث تُدير استخبارات أنقرة مطار كابول وعمليات إجلاء الأجانب حالياً، وحيث يقول اللص أردوغان إنه سيَتحمل المزيد من المسؤوليات هناك تحت مظلة الناتو بعد الانسحاب الأميركي الأوروبي.
التفاصيلُ غير المُعلنة حول دور قطر وتركيا الحالي والمُستقبلي فضلاً عن الدور المحوري المُتجسد في استقبال وإدارة المفاوضات الأفغانية – الأفغانية، والأميركية – الطالبانية، هي لغز آخر يَزداد تعقيداً مع ما يَصدر عن مسؤولي حركة طالبان التي تَصف تصريحات أردوغان وخطواته بالمَقيتة والمُتهورة، فمن يُفكك هذه الألغاز؟ وهل يُفهم من قول الخارجية الألمانية: إنّ قطر لعبت دوراً قيادياً في تأمين خروج آمن للألمان والأجانب من كابول، سوى أنّ كل ما جرى لعبة أميركية لطالما كانت قطر الميكرونية تتضخم بأدوارٍ كهذه تُسند لها، ولطالما تُقحم شقيقتها الأخوانية العثمانية بأدوار أُخرى هناك؟!.
للعالم أن يَتصور أنّ الخروج الأميركي جرى ويجري بضمانات قطرية! ما هذه “القطر الميكرونية” التي تتصدى لهذا؟ من أين لها القوّة؟ بل من أين تَستمد عناصر القوّة التي تُؤهلها لمنح ضمانات يَخرج بموجبها الأميركي آمناً من أفغانستان وهو الغول الذي يُهدد العالم بأربع جهاته؟ هل ذلك إلا تَرسيخ لدور قطر بتشغيل التنظيمات الإرهابية في المكان والزمان اللذين تُقررهما أميركا؟.
يَتحدث كثيرون عن أنّ ما جرى ويجري يَفضح حروب أميركا، إداراتها المتعاقبة، ديمقراطيتها وقادتها، يُعري ذرائعها ويَكشف قُبحها، وهو ما يُعد تَرفاً لا لزوم له، ذلك أنّ الانشغال يَنبغي أن يُركز ليس على ما هو من المُسلّمَات، إنما على ما تَنطوي عليه خطوة الخروج والانسحاب المُخطط له للدفع بمشروع بديل لا شك أنّه الأخطر بما يَعتمله من مُؤشرات استهدافية سيَنشغل العالم بها ربما لخمسين سنة قادمة.
الصينُ أنفقت حتى الآن أكثر من 300 مليار دولار على مُبادرة الحزام والطريق الإستراتيجية. يَجبُ أن يُنظر للحدث الأفغاني من هذه الزاوية، ويجبُ ألّا يَغيب عن الجميع ما يُقال إسرائيلياً بما جرى ويجري أقلّه المُعلن منه على شكل دراسات يُطالعنا بها ما يُسمى مركز أبحاث الدفاع الإسرائيلي “إسرائيل ديفنس” وسواه من مراكز، فالشراكة الصينية – الإيرانية، واتفاق الجانبين الأخير، صلتُه بالخليج وبمياهه الساخنة وأمواجه التي تَحمل الكثير من الأحداث المُرتقبة لا تَغيب عن الدراسات الإسرائيلية .. خروجُ أميركا ليس أُفقاً مَسدوداً، بل خلفَه مُباشرة يَقع المشروع الأخطر القادم وربما من أُولى مُؤشراته الفاجرة: الضمانات القطرية!.