الثورة أون لاين – راغب العطيه:
لا يختلف اثنان على أن سبب ما يعانيه العراق والمنطقة من مشكلات أمنية وسياسية واقتصادية، هو الاحتلال الأميركي لهذا البلد والحرب العدوانية المدمرة التي قادتها واشنطن ضده عام 2003، والتي رافقها في السنوات اللاحقة توالد العديد من التنظيمات الإرهابية المتطرفة من رحم تنظيم “القاعدة”، وذلك بإشراف مباشر من الاستخبارات الأميركية التي جل اهتمامها رعاية الإرهاب والتطرف حول العالم، فكان “داعش” أبشع وأفظع تنظيم إرهابي عرفته البشرية على الإطلاق والعديد من التنظيمات التي تدور في فلكه الإجرامي.
وقد عاش العراق أسوأ مراحل تاريخه في الفترة التي سيطر فيها تنظيم داعش الإرهابي على نصف مساحته تقريباً، وأصبح يشكل حينها تهديداً للنصف الآخر الباقي، وذلك كله تحت أنظار واشنطن وتحالفها غير القانوني الذي عمل وما زال يعمل على دعم هذا التنظيم بأشكال متنوعة، وفي النهاية انتصر العراق على الإرهاب الداعشي واستطاع أن يدحر هذا التنظيم ويقضي عليه بشكل شبه كلي ما عدا بعض الجيوب والخلايا النائمة التي يلاحقها الجيش العراقي والقوات الأمنية وقوات الحشد الشعبي بشكل يومي.
وفي ظل التطورات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يعيشها العراق والمنطقة نظمت الحكومة العراقية مؤتمر قمة في بغداد السبت الماضي وضم معظم دول جوار العراق وبعض دول المنطقة وفرنسا، مع غياب شبه تام للجانب الأميركي، وهذه الدول إلى جانب العراق هي مصر وإيران والسعودية والأردن وقطر والإمارات والكويت وتركيا وفرنسا.
وعلى أهمية أن تلتقي دول جوار العراق والمنطقة وإحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن في بغداد، لمناقشة قضايا الأمن والاستقرار في العراق ومحيطه الإقليمي، تبقى هذه الخطوات دون فائدة لأنه لم يتم الأخذ بالحسبان دور سورية المهم والمحوري في محاربة الإرهاب الداعشي وكل أنواع الفكر التكفيري المتطرف، ولا دورها الرائد في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وعليه جاء تغييب سورية عن هذا المؤتمر بضغط من الإدارة الأميركية وأدواتها في المنطقة والغرب التي تسعى لإبقاء الفوضى ونيران الإرهاب مشتعلة في كل مكان، وما يجري في أفغانستان هذه الأيام من فوضى عارمة مع سيطرة شبه كاملة لحركة طالبان على الأمور في هذا البلد أكبر دليل على نيات واشنطن الخبيثة تجاه منطقتنا.
ويعد التحدي الأكبر الذي يواجه العراق اليوم هو الوجود العسكري الأميركي الذي من المفترض أن ينتهي مع نهاية هذا العام، لذلك تبقى جميع مخرجات مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون ناقصة حتى يستكمل الانسحاب العسكري الأميركي من الأراضي العراقية، وذلك لأن الوجود الأميركي يعد بحد ذاته خرقاً للسيادة العراقية ويناقض كل ما أوصى به المؤتمر، وبالتالي فهو يمثل عائقاً كبيراً أمام الاستقرار الأمني والاقتصادي على حد سواء، وستبقى محاولات الدول المشاركة في المؤتمر الذي تركز أساساً على بحث قضايا الأمن والاستقرار بما فيها فرنسا التي جاء رئيسها ايمانويل ماكرون منتهزاً فرصة انشغال الأميركي في المأزق الأفغاني، ستبقى هذه المحاولات دون جدوى ما دام العراق مكبلاً بالاتفاقيات الأميركية وسيادته منقوصة بسبب الوجود العسكري الأميركي، وإلى أن يتخلص العراق من قيوده الأميركية سيبقى تنظيم داعش الإرهابي بين حضور وغياب أيضاً بحسب أجندة الرئيس الأميركي جو بايدن الإرهابية.