الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
كانت فكرة وجود منطقة متماسكة تسمى منطقة المحيطين الهندي والهادئ الهاجس الأساسي للاستراتيجيين لعدة سنوات، ولكن ليس من قبيل المصادفة أن تشكيل هذه المنطقة قد حدث في الوقت الذي بدأت فيه الصين في الصعود والازدهار، حيث استثمرت الولايات المتحدة وأوروبا ودول المنطقة علناً هذه الفكرة وذلك لموازنة النفوذ الصيني.
تم إحياء الحوار الأمني الرباعي (الكواد)، الذي يتكون من أستراليا والولايات المتحدة واليابان والهند في عام 2017 مع التركيز على جعل فكرة منطقة المحيطين الهندي والهادئ حقيقة واقعة، وفي آذار 2021 عُقد اجتماعها لأول مرة على مستوى رئيس الحكومة، ما يشكل جزءاً من تحرك إدارة بايدن الجديدة لاستعادة التزام الولايات المتحدة بالتعددية بعد سنوات ترامب الفوضوية، فأرسلت المملكة المتحدة حاملة طائرات الملكة إليزابيث إلى منطقة بحر الصين الجنوبي في تموز، ما أثار حفيظة الصين، وفي آذار أرسلت فرنسا أيضاً سفنها الحربية إلى المنطقة استعداداً لإجراء مناورات مع الولايات المتحدة.
تعمل القمة التي عُقدت في واشنطن هذا الأسبوع على تعزيز الدبلوماسية الرباعية، ولكن وعلى الرغم من جهود الدول الأربعة وغيرها، لا تزال مبادرة الحزام والطريق رؤية دولية أكثر إقناعاً من منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فقد استحوذت على خيال أولئك الذين كانوا بالفعل على استعداد للعمل بشكل وثيق مع الصين.
ربما لم تجتذب القمم نصف السنوية بشأن مبادرة الحزام والطريق التي عقدت في الصين العديد من قادة أوروبا أو أميركا الشمالية الرئيسيين، لكن قادة آسيا الوسطى وإفريقيا وأميركا اللاتينية شاركوا جميعاً فيها.
وقد برهنت مبادرة الحزام والطريق على نجاحها، هناك مثلاً قضية التماسك، فهي تتحد من خلال قاسم مشترك واحد على الأقل، وهو المصالح الصينية، أما فكرة المحيطين الهندي والهادئ فتعتبر أكثر فوضوية ولا تنشأ من مصدر واحد، حيث يحافظ الجميع بغيرة على مصالحهم الخاصة، فهناك القليل من القواسم المشتركة، والخوف من الصين لا يُعتبر الحافز القوي لبناء تعاون متعدد الأطراف.
الهند هي أحد خطوط الصدع الرئيسية في مفهوم المحيطين الهندي والهادئ، كما أن الافتراض بأنها ستكون الشريك الأكثر فاعلية ليس دقيقاً، فبالرغم من تطور اقتصادها، لكنه لا يزال يشكل ثلث حجم اقتصاد الصين، وقبل COVID-19، كان النمو 7 في المئة أو أكثر، ولكن بعد الجائحة تبدو الأمور أقل تفاؤلاً.
الجغرافيا السياسية تجعل هذه المشكلة أكثر خطورة لأن الهند هي جهة فاعلة مستقلة للغاية، ومحاولات الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين للاقتراب من الهند كانت محبطة.
قد لا تتمتع الهند بعلاقة مثالية مع الصين، مع وجود اشتباكات مستمرة على الحدود المتنازع عليها بين الدولتين من عام 2015، لكن رغبة رئيس الوزراء ناريندرا مودي في الاقتراب من الرئيس شي جين بينغ تثير الكثير من الأسئلة.
كما أنه ليس من مصلحة الهند الوقوف في خط المواجهة واستعداء جارتها القوية. فهي لا تريد أن تُستخدم كسلاح دبلوماسي بالوكالة لأنها ستتحمل وطأة أي توتر مع الصين. كما تتمتع الهند بعلاقات ودية مع روسيا والتي حصلت منها على معدات عسكرية، على الرغم من الغضب الأميركي، لها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي لا تتوافق مع تلك الموجودة في الولايات المتحدة أو أوروبا أو أستراليا.
أما البلدان الأخرى في المنطقة داخل الآسيان، ماليزيا وإندونيسيا والفلبين وفيتنام فهي تواجه قضايا مختلفة للغاية وتتعامل مع الصين بطرق مختلفة، وما يوحدهم هو الرغبة الواضحة في تجنب الاضطرابات التي لا داعي لها التي يثيرها البعيدون عن المنطقة.
ستحتاج منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى التركيز على إنشاء إطار عمل عملي وقابل للتعاون، وهو أمر يمكن أن يعمل ضمن المخاوف السياسية والأمنية المختلفة للغاية الموجودة في جميع أنحاء المنطقة، كما يجب أن يكون إطاراً من شأنه أن يقنع الجميع على الأقل بأنه قادر على حمايتهم وخدمة مصالحهم، بما في ذلك الصين.
من الصعب أن نرى الهند، ناهيك عن اللاعبين الآخرين، تعمل بفكرة تثير استفزاز الصين، حتى الاتفاقية الأمنية المُوقعة مؤخراً بين أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة لا تزال طموحة، ومن الصعب رؤية ما ستحققه في الواقع بخلاف تهميش أستراليا بشكل استراتيجي “إلى الأبد”.
فكرة وجود منطقة المحيطين الهندي والهادئ “الأكثر مرونة”، والتي تعد مساحة لتواصل أفضل وتزيل بعض العوائق الموجودة، هي فكرة أكثر قابلية للتطبيق، ولكي يحدث هذا، سيكون من المنطقي أن يتولى الشركاء في المنطقة زمام المبادرة، بدلاً من السماح للولايات المتحدة أو غيرها بتشكيل الأولويات.
وعلى عكس مبادرة الحزام والطريق، التي تعتبر التحالف الأمني الأكثر صلابة، فإن منطقة المحيطين الهندي والهادئ بها عيوب قاتلة، لا سيما تلك المحاولات اليائسة للقوى غير الآسيوية لفرض نفسها في مجموعة من العلاقات حيث لم يعد لديهم الموارد الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية ليكون لهم التأثير الذي يرغبون بتحقيقه.
المصدر: Eurasia Review