الملحق الثقافي:نبوغ محمد أسعد:
ثلاثةُ أجناسٍ أدبيّة في مجموعةِ «هدب الخواطر» للفنان «توفيق اسكندر».. يتصدّر هذه الأجناس، الشّعر والقصّة والخاطرة، وكلّها تعبق برائحةِ الشّعر.. فعاطفة الأديب واضحة وجليّة، في كلّ ما يذهب إليه ويفوح بالشّعر الذي يتوّج حركة نفسٍ، هي أساس منطلق في كلّ ما جاء به عبر المجموعة.
كلّما هدأت العواطف، ذهب «اسكندر» إلى حالٍ آخر، تأخذنا إلى أفقٍ وأبعادٍ مترامية المعاني، لا نعرف إلى أين يصل مداها، الممتدّ بين خبايا الحروف وجماليّة السَوق عبر دهاليزِ الفكرِ المشّع بألقِ العبارة الناضجة، وبطمأنينةٍ تشي بالثقةِ والكبرياء.
على سبيل المثال، إذا قرأنا قلق الخواطر: هكذا هي الأرواح التي تآلفت.. لا تدري الزمان الذي وجدت فيه، وليس لها مكان يأويها ..
وتبقى الغربة ملكة الوقت، لتصون هذا الحبّ الشريد المتوحّد بذرّاتِ الكون الأبديّة، والذي ما تزال راياته خفّاقة، تزيّن عنان الروح والقلب .
تدلُّ عبارات المجموعة، أن لها أساس عاطفيّ مقولب بجزالةِ الثقافة، وتكثيف معانيها النديّة على خضر المساحات التي تنطوي إلى مالا نهاية.. لكنّ الهدوء والتأنّي في سياقِ التفكير، جعل الرؤية الثاقبة أشدّ حضوراً.
في خاطرة «حبّ وحنين وآهة ثكلى» تفعل العاطفة الخاصة ما تريد، ولكنها بفعل الموهبة ودون قصدٍ، تمرُّ عبر الخيال فتسفرُ عن وجودِ خلاصةٍ من المشاعر، لتصل إلى أن الشّعر واضح تماماً، كرحلةٍ إلى بزوغ القمر، وأسفار في زمنِ الحياة .
يخطر في ذاكرة الأديب الفنان «اسكندر» في بعض الأحايين، أنَّ ما يذهب إليه، وليس دائماً، هو حكاية أو شبه حكاية، حسب سياق ما تورّطه به النفس الحالمة، وهو ما قدّم به لنصّه «ليل الحكايات» معرّفاً إيّاه على أنه حكاية، ولكن واقع النصّ يدلّ على أن محتواه يأخذ أكثر من شكلٍ وجنسٍ، فالقصة تأخذ المضمون الذي جاء من الحكاية وتطرّزها بالشّعر، وملكاته النفسيّة والوجدانيّة والإنسانيّة التي توحي بمكنونٍ نفسيٍّ أنيق.
يتكون النصّ وسواه، بما يشبه الواقع رغم أن الخيال فعل فعلته، والرمز ليس بريئاً من الوجود، لكنه جاءَ جميلاً، ودلّ على ما يريده الكاتب بشكلٍ فنيٍّ ومنطقيّ .
الكتابُ هو تداعياتٌ وجدانيّة أولاً وأخيراً، بكلّ محتواه، لكنّ العفويّة المطلقة، جعلت الأشكال الأدبيّة تنقسم وتتوزّع، فكانت القصّة جنساً هامّاً، والخاطرة والشّعر أيضاً، وهذه سابقة جديدة في عالم النشر، وقد تكون مخالفة لقوانين الفنون الأدبيّة وسيرها الكلاسيكيّ، فالكاتب ينجز كتاباً في جنسٍ واحد، أو شكلٍ واحد، وهذا المألوف، ولكنّ «اسكندر» خالف المألوف، ربّما لأنه فنان مطبوعٌ بالإحساس، فهو قادرٌ على تقمّص ما يريد، ويعيد تكوينه بطريقته التي أراد لها أن تكون ولادة حداثويّة في عالم الفنونِ الأدبيّة التي تتكشف جمالياتها يوماً إثر يوم، وبأيادٍ تنسجُ المستحيل لتقدّم للحياة، شرنقة بهيّة الطالع والإباء..
التاريخ: الثلاثاء28-9-2021
رقم العدد :1065