الملحق الثقافي:ثراء الرومي:
أحياناً لا يهبنا العمر ينابيع فرحٍ ولا جداول. كلّ ما في الأمر أننا نتحايلُ على الحياة، ونجمعُ قطرةً من هنا وبقايا قطرةٍ من هناك. وما أكثر ما فاضت كأسنا، ورفعنا رأسنا إلى السّماء شاكرين الله على كمِّ الفرحِ الذي نفيءُ إليه، جاهلينَ أو متجاهلين أن تلك القطرات، ليست سوى قبضة من دموعنا. هي حالنا كسوريين مضى بهم قطار العمرِ في عشرةٍ عجاف، ولا يزال طريقهم ضبابيّ الملامح، ولكنهم يجيدونَ تفصيل أفراحهم الصّغيرة على مقاسهم، فتمدّهم أبسطُ تفاصيلِ الحياة ومسلّماتها، بومضاتِ فرحٍ وأملٍ تتيحُ لهم الاستمرار رغم وعورةِ الطّريق، وزادُهم جيناتهم السّوريّة التي تحفل بكلِّ أشكالِ الصّمود والشّموخ.
ما أشبه رحلتنا برحلةِ مسافرٍ في صحراءٍ قاحلة، يتراءى له سراب واحةٍ في كلِّ خطوةٍ من خُطاه، ويهبهُ العزمَ على مواصلةِ الطريق رغم الظمأ والإعياء.. أهو سرابُ ما ننتظره حقّاً أم أنّ الآتي فعلاً أجمل؟!.. وهل سيطول أمدُ انتظار هذا الآتي البعيد؟!.. بل هل سيكون هذا الآتي أشبه بشخصيّةِ «راجح» في مسرحيّة «بياع الخواتم» التي لعبت دور البطولة فيها السيّدة فيروز؟!. «راجح» الذي لم يكن سوى شمّاعة يعلِّقون عليها كلِّ كذباتهم، ليظهر بغتةً وهو بريءٌ ممّا يدّعون..
جميعنا ندرك من هي الأصابع التي تعبث بوجعنا وتسعى لجعله مزمناً، وندرك من هم أولئكَ الذين يضعونَ العصيّ في عجلاتٍ تسعى حثيثة نحو ذلك الغد.
جميعنا ننتظر رحمةً تليق بصبرنا، وحياةً كريمةً باتت حلماً بعيد المنال بالنّسبة للسّوادِ الأعظم منّا، وسطَ جشعِ من لم يشبعوا من مكاسبِ ما بعد الحرب.
ما يحدث يوميّاً من قضايا خطفٍ وسرقاتٍ وانتحار، وقضايا قتلٍ يندى لها جبين الإنسانيّة، يحتاجُ وقفة طويلة كي لا يكون القادم المنتظر هو الأعظم، بدلاً من كونه الأجمل.
لقد بات الوجع أكبر من أن نخدع أنفسنا بمواربته، ولكنَّ الأمل يحدو بنا أن نستمرّ في أوديسّةِ انتظارنا، متشبِّثينَ بأرضِ أمنياتنا، ببقيةٍ من أظافرٍ، وإن باتت هشّة للغاية.. عسى ذاك القادم يأتي بالخيرِ الموعود.
التاريخ: الثلاثاء28-9-2021
رقم العدد :1065