الملحق الثقافي:ميثاء محمود:
كان الفيلسوف الألماني «فريدريك نيتشه» يرى أن للفيلسوف مهمة، هي رسالته التي يجب أن يحدّدها ويسعى لأدائها، في الحياة وتجاه الإنسانيةّ، وهو ما رآه بعد أن حدّد رسالته، وهي كما قال عنها: «مهمة حياتي أن أعِدّ للإنسان، لحظة للوعي الذاتي الرائع، أعدّ أوج ظهيرةٍ عظيمة، تحدّق للوراء والأمام معاً، فتطرح السبب والمكانة، فيما يتعلّق بكلّ أفراد الإنسانية.».
لاشكّ أن «نيتشه» وفي سعيه لتحديد رسالته هذه، لم يهدف فقط إلى ترسيخ جميع ما أورده على صفحاتها، وإنما أيضاً، لجعل هذه الصفحات، وبكلّ ما فيها من رؤى وأفكارٍ واستنتاجات، تؤثّر في قارئه بطريقةٍ تدفعه إلى تنفّس كلماتها، ورفضِ واستنكار وتغيير كلّ ما يحيط به من خمولٍ وتبلّد عقل، وبنشاط عقله وتفكيره، وبما يؤكّده قوله:
«إن من يستطيع تنفّس الهواء المنبعث من كتاباتي، يستطيع أن يعرف أن هواء القمم العاليات، هو الهواء المنعش، النشط.. إن الجليد قريبٌ، والوحدة مرعبة، ولكم هو هادئٌ كلّ شيء، في إشراقةِ الشّمس، والفلسفة كما فهمتها وعايشتها، هي التقاعد الإرادي، في منطقة الجليد والقمم الجبليّة، والبحث عن كلّ ما هو غريب، هو موضع التساؤل في الوجود، وعليه تقيم الأخلاق دعواها..»..
إذاً، هو يدعو إلى التساؤل، ذلك أنه وحسب رأيه، من يحدّد مستقبل البشرية، دون أن يتوقف لدى الأخلاق، بل يتجاوزها إلى الوجود الإنساني نفسه، وبما يطوّر الإنسان ويرتقي بأخلاقه وأفكاره وقيمه، ويجعله في مرحلةٍ عليا صاعقة في تأثيرها، وسواء في القضاء على الاغتراب الذي يعيشه حتى مع ذاته، أو بطردِ العبوديّة التي تعيق تطوره ووجوده وحرّيته…
إنه ما جعل هذا الفيلسوف، وبعد أن وجد نفسه محاطاً بالحمقى والمخادعين والأشرار والمتوعّدين، وسواهم ممن كانوا سبب تخلف ورداءة العالم، يقرّر أن يكون المقاتل الذي يواجههم، ومن ثم يسعى، وبعد انتصاره للحياة وقيمها، إلى التبشير بالحياة الفرِحة والعاقلة والمطمئنّة، حتى وإن اضطرّ لاستخدام مطرقة، لنبشِ ما في الأغوار، وردمها بالأنوار، بعد قلع عيون، الهمجيّة الظلاميّة..
فعل «نيتشه» كلّ ذلك، آملاً أن يكون قد أنجز مهمته كما حدّدها، ليكون آخر ما وعد بإنجازه:
«آخر ما يمكن أن أعدَ بإنجازه، أن أحسّن البشريّة.. أن أطيح بالأوثان «المُثل» هو عين مهمّتي، وبقدر ما اخترعنا عالماً مثاليّاً، بقدر ما جرّدنا الواقع من قيمه ومعناه وحقيقته، ومن ثمّ فإن أكذوبة المثالي، هي لعنة الواقع، وعلى هذا فإن أشدّ الغرائز الإنسانيّة تأسيساً فيه، قد أصبحت كاذبة ومزيّفة، ومن ثمّ أصبحت القيم التي تُعبد، هي بالضبط، القيم التي تتطاحن في عداوةٍ، مع القيم التي تضمن ازدهار الإنسان ومستقبله، وحقّه في ذلك المستقبل..»ّ.
التاريخ: الثلاثاء12-10-2021
رقم العدد :1067