الخروجُ من مفهوم «شرنقة» الأنثى والبيت

الملحق الثقافي:وجيه حسن:

في مجتمعنا العربي السوري، ومنذ زمنٍ ناءٍ، لفت نظري وأنظار آخرين كُثر، ولادة الحركة الأدبية السورية، على وجهِ التّخصيص وجودُ الصوت النّسائي المُعبّر، الذي حاول منذ ذلك الزمن تحطيم «الطوق»، وتهديم جدران «العزلة»، وذلك بالخروج من مفهوم «شرنقة» الأنثى والبيت و «القوقعة» بآن.. فانبعثت من وقتها تلك الأصوات النسائية، عبر الأدب: «المقالة»، «الخاطرة»، «القصيدة»، «الرواية»، بل وعبر «القصة القصيرة» كواحدة من أكثر الأجناس الأدبيّة انتعاشاً وتطوّراً في مجتمعنا، وفي غيره من بعض «بلاد العُرْب أوطاني».. يومها سمعنا ذلك الصوت النّسائي مبحوحاً تارة، ومختنقاً تارة، وعنيفاً ومدوّياً وعالياً في أحايين كثيرة.. ومع هذا وذاك وذلك، فقد كان الصّوت صامتاً وساخراً وساخطاً وانتقادياً لكلّ ما يدور حوله من صور ومشاهد ورؤى ومواقف، بعضُها كوميدي ساخر، وبعضُها مأساوي بلون ليلٍ حالك..
هذا الاحتجاج، أعني (أيام الخروج من «شرنقة» الأنثى والبيت)، كان موجّهاً بصورة عامّة لكلّ مظاهر الحياة وقوانينها ومفاهيمها المُعادية لحقّ المرأة، في أن يكون لها شخصيتها المستقلّة، وكينونتها الخاصّة، وأن تتوافر لها الحياة الحرّة الكريمة، بعيداً عن سلطة الأهل، ووقوفهم سدّاً منيعاً في وجهها، وفي مجمل تطلّعاتها..
وفي تلك الأيام الغابرات، كان صوتها الهادئ تارة، والعنيف تارة أخرى، مُوجّهاً بصورة سَهْمِيّة نحو تسلّط الرّجل: «الأب، الأخ، الزوج»، ونحو نزعته الذّكوريّة، ونحو سطوة الآباء والأعراف والقيم الجامدة المُتصخِّرة، بل ونحو تحجّر القوانين وتصخّرها، ونحو استبداد المجتمع الشّرقي بنظمه وتشريعاته وأعرافه عامّة..
هكذا إذن انبثق صوت المرأة/ الكاتبة، مُتلوّناً كتلوّنِ الحياة، متجدّداً كنهر دَفُوق، عاصفاً كريح مُزوبعة، وهي تبحث عن حقّها في الوجود، كما هو حقّها في الطبيعة، في أن تتكامل، وأن تتكافأ مع الرّجل في كلّ شيء، وهذا شرط إنساني بامتياز، ليس لأحد فيه فضلٌ ولا مِنّة..
ومنذ ذلك الزّمن البعيد، عَرَفَ كثرة كاثرة من الآباء والأزواج والأخوة الأصحّاء في عقولهم وأفئدتهم وأعماقهم، أنّه آن الأوان لمعرفة حقيقة التوازن بين الإنسان ذاته، بنصفيه المُتعادِلَين: (الرّجل والمرأة).. ذلك لم يكن أضغاثاً بكلّ توكيد، ولا واحداً من أحلام اليقظة، وإنّما كان أمراً منطقياً، فرضه سلّم التطوّر الكوني والإنساني، كما فرضته قوة الوقائع، وسطوع شمس الحقيقة «رائعة النّهار» بأجْلَى صورها..
وفي تلك القصص والأشعار والإبداعات والكتابات، وحتى المنجزات الروائية السورية قليلة العدد يومها، كنّا نتقرّى صورة الثنائية بين الرّجل والمرأة وهي مغلقة في دائرة أُسريّة، مشحونة نفسياتها بالغربة والكآبة والهمّ والغمّ في ما يجري حولها، ضمن الإطار الأسري أوّلاً، أو خارجه تالياً، أعني «الإطار الاجتماعي» على وجه الدقّة..
وكان القارئ المُسْتَأنِي وقتئذٍ، يتلمّس من خلال أقلام الكاتبات المبدعات وأفكارهنّ وأنفاسهنّ وكتاباتهنّ، ظواهر وقضايا محلية وعربية، اجتماعية وإنسانية، سياسية وجنسية، نفسية وعاطفية، كانت قد تراوحت بين حقّ المرأة في الحبّ والتعليم والعمل والسّفر والخروج من «شرنقة» البيت، وموضوعة الزواج بكلّ تشعّباتها، كغلاء المُهور والطلاق، وزواج صغيرات السنّ من رجال كبار لدوافعَ مختلفة، ولأسبابٍ وظروف متباينة، وظاهرة الزواج من أجنبيات، وصراع المرأة مع ذاتها بين الكبرياء والثروة، واغتراب المرأة في دول أوروبية قصْد تحصيل العلم، أو بِنيّة السياحة والاستجمام، واعتمادها على نفسها.. وقد وردَ رسمُ ذلك بنبرة ساخطة متذمّرة، أو بلغةٍ فيها نسائم بَحْرِيّة فَرِحة، أو بعباراتٍ وجُمل ومفردات وكتابات ورسائل، في غاية التكثيف والاختزال والمتانة..
وفي تلك الأيام الزّاهرات، كُشِف بعضُ الحُجُب عن شخصيات نسائية سورية أو عربية فريدة، وكانت هذه الشخصيات متصلة بتراثنا القومي الماضوي والحاضر، وكانت كتابات ومواقف تلك الشخصيات تنطوي على معانٍ وقيم ومواقف مسؤولة تهمّنا قومياً وإنسانياً وتربوياً واجتماعياً..
وهل هناك أحد من المشتغلين بحقلِ الأدب والثقافة والفكر والإبداع في بلدنا، ينسى أو يتناسى النساء السوريات الأديبات اللواتي كان لهنّ الحضور القوي، والمنزلة المرموقة في تناوُل معظم الأجناس الأدبيّة وسواها؟ ومنهنّ على سبيل التّمثيل وليس الحصر، في ميدان القصة: (اعتدال رافع، دلال حاتم، جمانة طه، ديمة ونوس، سلوى النعيمي، ماري رشو، مانيا سويد)، وفي مجال الشّعر نذكر «أمل جراح، أنيسة عبّود، ليلى المقدسي، حميدة نعنع، سلمى الحفّار الكزبري، عائشة أرناؤوط، كوليت خوري، وداد سكاكيني، مقبولة شلق، مها بيرقدار)، وفي حقل الرواية (إلفة الإدلبي، كوليت خوري، وداد سكاكيني، جمانة طه، غالية قباني، هيام نويلاتي، هيمى المفتي…)!
خاتمة المطاف: إنَّ قارئ سِيَر النّساء السوريات الكاتبات عامّة، ليخرج من هاتِهِ القراءة المُتأنّية، وهو يشعر بقرابةٍ روحيّةٍ تربطه بواحدة من هؤلاء النّساء المبدعات، أو بهنّ جميعاً.. فهي مثله كائن بشري يكافح أمواج الحياة، يصارع ما حوله وما يضطرب في داخله، يسعد ويشقى، يأمل وييأس، ينجح ويُخفِق، يظلّ/ وتظلّ في هذا كلّه إنساناً/ إنسانةً تحرّكه/ تحرّكها المشاعر الإنسانية الأصيلة، التي أوْدَعَها الله نفسَ كلّ كائن حيّ على هذه الأرض المُتراحِبة، وكان المبدأ عندهم وعندهنّ في كلّ وقت وكلّ حين، قول الشاعر التونسي المرْحوم «أبي القاسم الشّابي»:
«وَمَنْ يَتهيّبْ صُعُودَ الجبالِ..»!! ..

التاريخ: الثلاثاء19-10-2021

رقم العدد :1068

 

آخر الأخبار
تعاون اقتصادي وصحي بين غرفة دمشق والصيادلة السعودية: موقفنا من قيام الدولة الفلسطينية ثابت وليس محل تفاوض فيدان: الرئيسان الشرع وأردوغان ناقشا إعادة إعمار سوريا وأمن الحدود ومكافحة الإرهاب رئيس مجلس مدينة اللاذقية لـ"الثورة": ملفات مثقلة بالفساد والترهل.. وواقع خدمي سيىء "السكري القاتل الصامت" ندوة طبية في جمعية سلمية للمسنين استعداداً لموسم الري.. تنظيف قنوات الري في طرطوس مساع مستمرة للتطوير.. المهندس عكاش لـ"الثورة": ثلاث بوابات إلكترونية وعشرات الخدمات مع ازدياد حوادث السير.. الدفاع المدني يقدم إرشادات للسائقين صعوبات تواجه عمل محطة تعبئة الغاز في غرز بدرعا رجل أعمال يتبرع بتركيب منظومة طاقة شمسية لتربية درعا حتى الجوامع بدرعا لم تسلم من حقد عصابات الأسد الإجرامية المتقاعدون في القنيطرة يناشدون بصرف رواتبهم أجور النقل تثقل كاهل الأهالي بحلب.. ومناشدات بإعادة النظر بالتسعيرة مع بدء التوريدات.. انخفاض بأسعار المحروقات النقل: لا رسوم جمركية إضافية بعد جمركة السيارة على المعابر الحدودية البوصلة الصحيحة خلف أعمال تخريب واسعة.. الاحتلال يتوغل في "المعلقة" بالقنيطرة ووفد أممي يتفقد مبنى المحافظة الشرع في تركيا.. ما أبرز الملفات التي سيناقشها مع أردوغان؟ بزيادة 20%.. مدير الزراعة: قرض عيني لمزارعي القمح في إدلب تجربة يابانية برؤية سورية.. ورشة عمل لتعزيز الأداء الصناعي بمنهجية 5S