كأنما الانتصارات الوهمية وعمليات السطو والاعتداء تدفع أبطالها الوهميين للإقدام على خطوات خيالية ، اعتقاداً منهم أنهم قادرون على فرض أوهامهم المحمولة من أيام تاريخ متعفن.
في خطوة مبالغ فيها ، وفي لقاء جماهيري بإحدى المحافظات التركية يعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أنه أصدر تعليماته لوزير خارجيته بإصدار قراراته بحق عشرة سفراء باعتبارهم غير مرغوب فيهم في أنقرة ، وهذه عبارة دبلوماسية لطرد أولئك السفراء، وذلك رداً على مواقف هؤلاء السفراء للمطالبة بإطلاق سراح رجل أعمال تركي معتقل منذ أربعة أعوام دون تحقيق أو إحالة إلى المحكمة.
اللافت في الأمر أن سفير الولايات المتحدة الأميركية يقف على رأس أولئك السفراء الأوروبيين ممن وصفهم أردوغان بأن معظمهم من بلدان أعضاء في حلف شمال الأطلسي ( ناتو) .
فما الذي يدفع السلطان العثماني الجديد لخوض هذا التحدي ، في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة وصعبة تعيشها تركيا وفي ظل علاقات خارجية سيئة مع الكثير من دول ألعالم؟
النتيجة الفورية لتصريح الرئيس أردوغان كان تراجعاً إضافياً في القدرة الشرائية لليرة التركية وتراجع سعر الصرف أمام العملات الأجنبية، الأمر الذي يضاف للمشكلات المالية والعقبات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها أردوغان وحزب العدالة والتنمية بعد قرابة عقدين من التحكم بمقدرات وسياسات تركيا،. فقد ورث أردوغان اقتصاداً قوياً ومعافى وعلاقات سياسية واقتصادية جيدة مع دول الجوار والمنطقة والعالم ، وكان سعر صرف الليرة التركية يساوي دولاراً واحداً ، وهو اليوم يقارب العشر ليرات في ظل استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي مفترض، فليس ثمة حروب أو اعتداء إرهابي أو وجود عقوبات اقتصادية أميركية وأوروبية ولا حصار ومراقبة للتحويلات المالية ، فما الذي يدفع بالاقتصاد التركي نحو هذا التراجع الكبير؟
هذا في جانب الاقتصاد ، بالتوازي مع العلاقات الثنائية الخارجية ، فقد تحولت تركيا من حالة صفر خلافات إلى خلافات كلية مع جميع دول الجوار ، إضافة إلى أسوأ العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي ، وهو اليوم يفتح باب الصراع مع تسع دول أوروبية على رأسها ألمانيا إضافة الى الولايات المتحدة الأميركية فاتحاً الطريق لانعكاسات داخلية يظنها ستكون وقوداً انتخابياً في معركته الرئاسية في العام بعد القادم ، إذ تتسارع مؤشرات تراجع شعبية أردوغان وحزبه بوجه صعود أحزاب وهيئات سياسية تعارض كل الإجراءات التي اتخذها أردوغان لتغيير صورة تركيا أمام العالم.
ويبقى السؤال الأكبر ، كيف سيواجه تلك الدول وهو ما زال يعيش حالة رفض جو بايدن الرئيس الاميركي لقاءه ولو شكلياً لدقائق قصيرة خلال تواجده في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة الماضية ، والتي شارك أردوغان بها لتلك الغاية وحدها في محاولة لاستباق قمته الصعبة في سوتشي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، وهو لم يجن أي فائدة مهما كانت صغيرة ، بل ازدادت خساراته وتفاقمت مشكلاته.
وهو تراه اليوم يكابر في الواقع ويتخذ مواقف عدائية من حلفائه وأصدقائه ضارباً عرض الحائط بأي احتمالات عقابية تنبىء بها تلك العلاقات المتردية، فهل ترى أردوغان وصل إلى مرحلة خيار شمشون؟
وكأنه كذلك.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد