كيف نهضت أوروبا؟

في القرن الرابع للميلاد وقبل وفاة قسطنطين إمبراطور روما اعتنق وآمن بالمسيحية تأثراً بهيلين وعلى قاعدة الناس على دين ملوكها أصبحت الإمبراطورية الرومانية تدين بالمسيحية وهو ما اعتبره المؤرخون بداية القرون الوسطى وفق تمرحل زمني يمتد من القرن الرابع للميلاد وصولاً للقرن الخامس عشر، وفي الحديث عن عصر النهضة الأوربية نشير إلى أن ما ميز ووسم القرون العشرة المشار إليها هو سيطرة الكنيسة الكاثوليكية على أتباعها وكل ما مارسته من قيود على حرية التفكير والتعبير ومحاربة الفكر الفلسفي ومن تجليات ذلك محاكم التفتيش ومحاكمة العلماء، ومنهم غاليلو الذي قال بكروية الأرض، وأيضاً صكوك الغفران التي يتم من خلالها دفع الأموال للكنيسة فيتم محو الذنوب السابقة واللاحقة من خلال منح وثيقة بحيث يمكن شراء وثيقة لارتكاب ذنب مستقبلي، وأيضاً خدمة الفلسفة للدين أو الفلسفة للاهوت بحيث أن العقل يؤخذ به إذا وافق النص الديني أما إذا تعارض معه فالقول للنص وهنا يصبح دور العقل خدمة النص الديني وتبريره إلى درجة أن العلم أصبح مقتصراً على رجال الدين ولم تكن الدراسة العلمية متوفرة إلا لمن هو منتسب للكنيسة أو من رجال الدين، وكذلك الكتب لم تكن متاحة إلا لهم إذاً نحن أمام احتكار ديني للعلم وكل من يخالفهم هو مهرطق أي مخالف لتعاليم وقواعد الكنيسة.

ومن منظور تاريخي يؤسس لبداية عصر النهضة عملياً من نهاية القرن الرابع عشر الميلادي والذي أطلق عليه (الميلاد من جديد) ومن أبرز ملامحه تراجع سلطة الكنيسة حيث خرج عن سلطتها العلماء والمفكرون والمثقفون والتفكير خارج الصندوق، وكان للاكتشافات الجغرافية الدور الأساسي في بداية عصر النهضة حيث ساهمت في إسقاط رؤية الكنيسة لجغرافيا الكون عندما ثبت أن هناك عالماً ما بعد جبل طارق وليس بحر الظلمات وهاويته فكولومبس واكتشاف أميركا ساهما بسقوط مقولات الكنيسة بإنكار كروية الأرض كما أثبته غاليليو وهنا تكون الاكتشافات الجغرافية قد شكلت العنصر الأول في بداية عصر النهضة الأوربية.

أما العامل الثاني فهو بروز النزعة الإنسانية ومثلها الشاعر الإيطالي بترارك ودعوته العودة للفلسفة اليونانية والفكر الروماني، فهو وفق مفهومه أساس جيد لعصر النهضة ما وضع نواة لعصر جديد وبداية طي عصر الظلمات أو العصور الوسطى حيث شكلت أفكاره إرهاصات أولى للعقائد العميقة لمفكري القرن الخامس عشر.

أما العامل الثالث فتمثل بسقوط المنظومة الأخلاقية التي كانت تؤمن بها الكنيسة الكاثوليكية آنذاك، وهي التي عملت على تكريس فكرة المحبة وأن المهم هو الآخرة وليست الدنيا، بينما الثقافة الجديدة دعت للاستمتاع بالدنيا والاستمتاع بالمواهب التي منحها الله للإنسان، ناهيك عن أن الكنيسة آنذاك قد عملت على تكريس فكرة الخضوع لإرادة رجال الدين لأنها تمثل إرادة الله فجاءت الطروحات لتكريس فكرة الحرية بدل الخضوع والطاعة، وتكريس فكرة الشك في المعتقدات القائمة وإعادة دراستها وفق منهج العقل والتجريب وتكريس ثقافة الحياة ومتعة الحياة وهو ما يخالف راهناً خطاب الجماعات التكفيرية التي لا ترى في الحياة إلى رحلة موت للآخرة لا قيمة لها أي خلقنا لنموت وليس لنحيا ومقولة نعيش لنموت يناقضها الحديث لسيدنا علي “اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدأ واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا” وهو ما قامت عليه فلسفة الأنوار في عصر النهضة.

العنصر الرابع ظهور المطابع والطباعة وانتشار الكتب والقراءة والاطلاع على الأفكار حيث كانت تلك الأمور مقتصرة على الكنيسة وموافقتها على أي مخطوط قبل الطباعة.

العامل الخامس هو الإصلاح الديني ورجل اللاهوت مارتن لوثر وإذاعة وإشاعة المذهب البروتستانتي السائد لهذا اليوم حيث دعا لتطهير الديانة المسيحية من البدع وتهكم على صكوك الغفران، وجاء بعده الفرنسي جون كالدن ليتابع مسيرته وهو أيضا رجل دين متنور.

العامل السادس هجرة أصحاب العقول بعد سقوط القسطنطينية بيد العثمانيين1453الى أوروبا وتوطين ثقافة جديدة متحررة من كل أشكال العسف والاستبداد والتخلف قادتها نخب فكرية وثقافية وعلمية ومهنية.

أما العامل السابع فيتمثل في الثورة العلمية وتكريس القوانين العلمية والتجربة بدل القواعد أو الفرضيات التي تبنتها الكنيسة وسقوط نظرية مركزية الأرض على يد كوبرنكس الهولندي لمصلحة أن الشمس هي المركز وأن الأرض تدور حولها وهذا حطم نظرية الكنيسة التي تخالف ذلك وتتعبره جزء من العقيدة الدينية أي أن الكنائس أعطت بعداً قدسياً على مقولاتها العلمية كرفض فكرة أن الأرض تدور أو أنها كروية ومسطحة وأن الإنسان غاية الغايات فالأرض صنعت لخدمة النبات والنبات لخدمة الحيوان والحيوان لخدمة الإنسان ومادام الإنسان يسكن الأرض فالأرض هي مركز الكون أي أن الإنسان هو محور كل الأشياء فاسقط كوبرنيكس كل هذه الأشياء فالأرض والكواكب كلها تدور حول الشمس فهي مركز الكون ورجعت البشرية بعودتها للفيثاغورثية والفلسفة السقراطية إلى حاضنة العقل والعلم وهنا نكون قد مررنا بمراحل العصور الفلسفية من عصر الأسطورة ثم عصر الفلاسفة الطبيعيين ممثلا بطاليس والسبعة ثم عصر الفلسفة اليونانية ثم الرومانية فعصر السيد المسيح والكنيسة عشرة قرون ثم عصر النهضة وصولاً لعصر التنوير في القرن الثامن عشر.

ولعل ثمار عصر النهضة قد تبدت وأينعت في القرنين السادس عشر والسابع عشر في المذهب التجريبي متمثلا في أفكار جان لوك في بريطانيا والعقلي متمثلاً بديكارت في ألمانيا، أما في القرن الثامن عشر فكان عصر الأنوار عصر الفلسفة الألمانية الفرنسية وسماته الحرية والتسامح الديني وحرية التدين والعلمانية أي فصل سلطة الكنيسة عن سلطة الدولة والعقد الاجتماعي والتأكيد على أن العقل هو المصدر الشرعي للمعرفة، وهنا تبرز أهمية ما خلص إليه عصر النهضة من إسقاط دور رجال الكنيسة في مجال العلوم والثقافة والسلطة وصولاً إلى إخراجها من كل مظاهر الحياة الدنيوية ولاسيما السياسية حيث السلطة للشعب وفق الثورة الفرنسية وحصر دور الكنيسة بالزمن الخلاصي وليس الدنيوي، ولعل أبرز رواد تلك الفلسفة كأنط وهيغل وصولاً إلى القرن العشرين حيث الوجودية والماركسية إلى البراغماتية والحداثة وما بعد الحداثة إلى البنيوية والهيكلية الجديدة وصولاً إلى الليبرالية الحديثة إنه سياق تصاعدي وتراكمي كان الفكر العلمي و الفلسفي والتجربة العملية وتخدير العقول روافعه وحوامله الأساسية وهو ما يفسر تطور ونهضة أوروبا وتخلف من سار في سياق آخر.

اضاءات- د . خلف المفتاح

 

 

 

 

 

 

 

 

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة