لأول مرة تتصاعد أصوات الصناعيين ورجال الأعمال (وعلى الملأ) مُهللة لرفع سعر المازوت الصناعي والتجاري، ويؤكدون أن رفع الليتر الواحد هذه المرة من 650 إلى 1700 ليرة سيؤدي إلى خفض أسعار الكثير من السلع والمواد في الأسواق..!
غالباً – بل دائماً – مع رفع أسعار المازوت وحوامل الطاقة ترتفع أسعار السلع والمواد مباشرة، إلاّ هذه المرة، فالوعود قوية بأن يترافق مع رفع سعر المازوت الذي بدأ العمل به اليوم انخفاضاً ملحوظاً بأسعار المواد .. فما الحكاية..؟!
لا حكاية ولا رواية .. إنه جنون السوق السوداء التي أرخت بظلالها على الأسواق وحياة الناس، وطالت بلعنتها جميع السلع والمواد والعديد من الخدمات التي أخرجتها عن طورها وأشعلت فيها نيران الأسعار بسبب المازوت، لأن المازوت بحدّ ذاته شكّل أزمة ضخمة عند الصناعيين ورجال الأعمال، وعند جميع وسائل النقل العاملة عليه، حيث انقطعت هذه المادة بسعرها المحدد / 650/ ليرة .. أو كادت، ولم يعد بالإمكان الحصول عليها إلا من السوق السوداء وبأسعار خيالية تدرّجت من الألف إلى الألفين ثم إلى ثلاثة آلاف وصولاً إلى أربعة آلاف ليرة لليتر المازوت الواحد وأحياناً أكثر، وصارت الفعاليات الصناعية والتجارية والخدمية مضطرة لشراء المازوت بهذه الأسعار العالية، وكان من الطبيعي أن تُضاف فروق القيمة إلى مجمل التكاليف ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني لمختلف السلع والمنتجات، وانعكس الأمر حتى على السلع الغذائية الأساسية أيضاً كالبيض ولحم الدجاج مثلاً، لأن المداجن تحتاج إلى مادة المازوت في جميع مراحل إنتاجها.
من أجل هذا تصاعدت أصوات الفعاليات الاقتصادية والخدمية بوقت واحد مرحبة بالقرار الجديد، لأنه من المفترض أن يتوفّر المازوت بعد ذلك بسعر 1700 ليرة لليتر بشكل نظامي وبشكل كاف بما يضمن إفشال السوق السوداء لهذه المادة وعدم جدواها، وبالتالي ستقوم بإلغاء نفسها بشكلٍ طبيعي.
إن طُبّقت هذه الرؤية فإن أسعار الكثير من السلع والمواد ستنخفض حتماً وسيكون الصناعيون ورجال الأعمال عند كلامهم هذه المرة، ولكن ماذا إن لم تُطبق ..؟! ماذا إن تراخت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن متابعة هذا الموضوع، وإهمال القيام برقابة حقيقية وصارمة عليه، وماذا إن لم يترافق ذلك مع توفّر المازوت بكثافة تضمن سهولة الحصول عليه بالسعر الجديد ..؟ وماذا إن تُرِكت ثغرة صغيرة لأساطين السوق السوداء تمكّنهم من الالتفاف على هذا القرار الجديد..؟
سنكون خلال الأيام القليلة القادمة أمام اختبار حقيقي لمدى جدية وزارة التجارة الداخلية في تنفيذ القرار كما رسمت له، فإن نجحت فسنرى الأسعار تتدحرج انخفاضاً، وإن تراخت وفشلت فنحن قادمون إلى كارثة سعرية حقيقية .. ولن يحسم الأمر إلا الوقائع التي بدأ اليوم العدّ التنازلي بانتظارها.
على الملأ- علي محمود جديد