مصطلح جديد دخل إلى فضاء التواصل بين البشر تترجمه كلمتان إحداهما تختبئ وراء الأخرى وهما (ما وراء الكون).. فأي كون هذا الذي ستدخلنا إليه هذه التقنية التي أعلنت عن نفسها مؤخراً، والتي دمجت الواقع الافتراضي بالواقع المعزز.. أي كون هذا الذي نريد أن نذهب إلى ما ورائه؟.. بل إنه كوننا الذي نعيش فيه، وتحكمه منطقية الأشياء.. إلا أننا نريد أن نتجاوز هذه المنطقية، ونتمرد عليها، وأن نخلق لأنفسنا أكواناً أخرى موازية ربما ليس فيها من خيبات الواقع بقدر ما فيها من انتصارات الخيال.
(ميتا فيرس) هذه التسمية مؤلفة من كلمتين إلا أن مساحة الكلمات قد تضيق بوصف أفقها اللامتناهي، واستطالاتها تمتد إلى كثير من التطبيقات التي يزدحم بها مخزن البرامج، والتطبيقات الإلكترونية.. تقنية أشبه ما تكون بلعبة جديدة ستصبح قريباً في متناول اليد لتخطف العقول، أو ما بقي منها، وباستخدامها يتحقق واقع مختلف يقوده الوهم، والحلم.. أما المرحلة التمهيدية لاستخدام ما يشبه هذه التقنية فقد حققتها الألعاب الإلكترونية بامتياز، لكن التمهيد لحسن التعامل معها مازال بعيداً عن إمكانية درء آثارها السلبية المحتملة، والتي قد تكون كارثية، ونحن في الوقت ذاته لسنا على هذا القدر من المسؤولية لنحسن الأداء، كما لم تتم تهيئتنا بما يكفي لاستخدام هذه التكنولوجيا الحديثة فائقة التطور كي نحقق الفائدة منها لا الخسارة بسببها.. وهذا يذكرني بحادثة قبل أكثر من عقد من الزمن جرت لأطفال مدرسة في المرحلة الابتدائية في اليابان عندما عرضت الشاشة كنوع من التجربة إحدى الألعاب الإلكترونية فإذا بها تصيب تلاميذ الصف بحالة من الاضطراب الجماعي تكاد تشبه حالة الصرع مما استدعى إيقاف تلك اللعبة من أن تكون قيد التداول.
ونحن عندما كنا صغاراً وكان يصطحبنا أهلونا إلى دور السينما لنشاهد أفلام الكرتون، أو الرسوم المتحركة لم تكن تلك الشاشات من الواقع الافتراضي، ولا من الواقع المعزز، ومع ذلك كنا نخرج من السينما في حالة من الإشباع بعد أن فتحت لنا تلك الرسوم أبواب الخيال لندخل منها إلى عوالم سحرية.. ومهما نضجت تجربة الحياة تظل أحلام الطفولة تراود المرء في أي مرحلة من مراحل عمره، وأذكر ذلك التوق في الطفولة عند مشاهدة أفلام الرسوم المتحركة في الدخول إليها فعلاً دون الاكتفاء بمشاهدتها من الخارج، والتماهي معها، إلا أن هذا الحلم الذي كان يبدو طفولياً، وغير منطقي حينذاك قد أصبح حقيقة الآن يمكن تحقيقه من خلال تقنية ماوراء الأشياء هذه.. وقد مهدت له أيضاً استوديوهات (يونيفيرسال)، ومدينة (ديزني) بما احتوت عليه من ألعاب ترفيهية لزائريها تدخلهم من خلالها إلى واقع من رسم الخيال لكنه يبدو حقيقياً بمقدار ما يشعر به الزائر من الحركة المحسوسة لجسده بفعل المؤثرات الحركية المستخدمة، والصورة ثلاثية الأبعاد التي تنبثق من كل اتجاه، ولو أنها بتقنيات أبسط بكثير مما أصبح متاحاً الآن من الأخرى الأكثر تطوراً، وتفوقاً.. ليخرج الزائر بعد بضع دقائق من تجربة اللعبة وهو منبهر، منقطع الأنفاس، ومأخوذ، وكأنه خُطف إلى عالم آخر استلبه، وامتصه بإحساس الرؤية، والحركة الفيزيائية، وجعل العودة منه محتاجة إلى برهة من الزمن ليسترد أنفاسه من جديد.. فماذا سيكون عليه الحال الآن مع هذه التقنية الجديدة؟ بل مَنْ سيستطع مقاومة إغراء التجربة ولو لمرة واحدة بعد أن يصبح هذا العالم تحت أيدينا، ونستطيع أن نفتح أبوابه متى شئنا، وفي أي لحظة لندخل إليه، بل لنعيش داخله؟.. أم أن هذه الأبواب ستظل مفتوحة على مصراعيها، وقد لا نستطيع إغلاقها مرة أخرى كما حدث مع سابقاتها من تقنيات تفاعلية لألعاب اشتهرت، وهي ماتزال تتجدد بما تسمحه لها البرامج الحديثة من تطور؟
ومهما تباينت المواقف من هذه التقنية المستجدة فإننا سندخل إليها ولو من باب الفضول، والرغبة بالاكتشاف، وقد لا ندرك الفخاخ التي ستصطادنا إليها من المرة الاولى.. بينما (جيل ألفا)، والأجيال اللاحقة التي نشأت على الألعاب الإلكترونية ينتظرون بالباب بفارغ الصبر ليدخلوا إلى هذا العالم الغريب الذي لا شك سيكون أكثر إمتاعاً، وإبهاراً.. بل إنها الحداثة بمفاهيمها الجديدة، والتكنولوجيا باستطالاتها الجريئة.. وأبناء الألفية الثالثة لن تعود تجتذبهم برامج الأطفال المتلفزة، ولا حتى شاشة السينما التقليدية التي سيخفت بريقها ما لم تتحول إلى شاشات الواقع المعزز، والمدمج، ولا تلك الألعاب البريئة التي كان يلعبها من سبقهم، وهم يُعملون الخيال بينما ما هو أبعد من الخيال سيمتصهم إليه شأنه شأن الألعاب الإلكترونية المنتشرة.
فهل سنشفق على الأجيال القادمة، أم أننا سنرثي لحالنا إذا لم نحسب خطواتنا بعناية داخل هذا الفضاء منذ الخطوات الأولى؟ وللحديث بقية…
(إضاءات) ـ لينـــــا كيــــــلاني