ثورة أون لاين-رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم :
لم ينجح جنيف، لكنه لم يعلن فشله.. ليست أحجية ولا هي مفارقة لا معنى لها، بل هي كلمة السر في صراع الإرادات التي تقاطعت على الحاجة لجنيف، حيث يلتقي «عرّابوه» مجدداً من أجل جولة جديدة لا تمتلك أي فرصة في النجاح، ومن غير المسموح لها أن تفشل!!
في جردة الحساب الأولية تبدو المقاربة متخمة بتلك الأحجيات التي تتشابه في النوع، وإن اختلفت في آليات التظهير، حيث تحضر الطلاسم في الكثير من المماحكات القائمة على فرضيات سبق أن ثبت فشلها، وعلى مراهنات تأكد عجزها، وخسارة كل من ارتهن لها، وغايتها في نهاية المطاف تصعيب مهمة تحبير النقاط التي خلصت إليها تلك الجولة، وفي أي كفة يمكن أن توضع، وتركها مفتوحة على احتمالات مجهولة أو مؤجلة.
وفي العناوين التي خلصت إليها الجولة الأولى، وهي تختتم جلساتها صباح اليوم، لا نعتقد أن ثمة مفاجآت حقيقية في رفض وفد الائتلاف المسمى المعارضة كل المبادرات، بحكم أنه غير مخول بالبتّ بها، ولا هو مسموح له أن يناقش، لأن الدور المرسوم له هو تعطيل أي طرح باتجاه الحل السياسي، وبالتالي كان من المسلّم به أن يتمترس خلف الرفض كممر إجباري للبقاء!! وإن كانت المبالغة غير المفهومة في الرفض تفسر الالتزام الحرفي بتعليمات الخارج، وعدم الخروج عن النص تحت أي ظرف كان، حتى لو احترقت كل الأوراق في يديه ومن أمامه وخلفه وعلى جانبيه.
ومن البديهي أن نقرأ الرسالة الأميركية في تعمد رسم الصورة الكاريكاتورية لأولئك المعارضين وتكرارها يومياً ، كما هي، بأن أميركا لم تعتد يوماً أن تتعامل إلا مع الأتباع والأجراء بهذه الطريقة، وبالتالي كان موقف سورية والوفد السوري يستفزها إلى الدرجة التي فقدت فيها خياراتها على الطاولة، فكان لا بد من التلاعب خارجها، حيث دفعت بدوائر استخباراتها إلى تسريب خبر موافقة الكونغرس على تسليح الإرهابيين، لتدارك الصدمة المزدوجة بعد الفشل في استدراج الوفد السوري للسيناريو المعد مسبقاً.
لا يخفى على أحد أن النفاق الأميركي لا يقتصر على السياسة العامة، بل يتغلغل في أدق التفاصيل التي تتعاطى بها أميركا، والازدواجية الفاضحة مبدأ شهير في الممارسة الأميركية طيلة تعاطيها مع القضايا الدولية، وهي تثبت بالدليل القاطع أنها لم تتراجع عن ذلك المبدأ وليست بوارد ذلك، وهو ما يفسر التعاطي الأميركي مع وفدها إلى جنيف بهذه الطريقة من الدونية التي أخرجته عارياً، فيما هي تمارس سياسة الرسائل الوجاهية، ولم تتردد في تحديد الجانب الروسي كجبهة مفتوحة لتلك الرسائل، بما تعنيه من تحدٍ صريح يخالف أبسط الالتزامات والتفاهمات المعقودة معه.
لذلك حافظت على ممثليها من الائتلاف المسمى المعارضة، وضبطت حركة تعرّيه، فقدمت من ناحية الشكل وجهاً ملتزماً بالتفاهمات، فيما كانت توظفه كواجهة سياسية لحماية الإرهاب تستدرك عبره ما فقدته من أوراق، وتستبدل ما احترق منها تحت مظلة جنيف ومداولاته، فيما المضمون لم يتغير، وأن الحالة القائمة توفر لها المزيد من الوقت لإطالة أمد الأزمة والمراوحة في المكان حتى إشعار آخر.
وهذا ما يفسر الحالة الهلامية لممثليها من المعارضة، بحيث لا تكاد تغرب بدعة حتى تحضر أخرى أكثر غرابة من سابقاتها، في متوالية تراكمت على جوانبها جملة من الأحجيات والطلاسم التي تدفع إلى الجزم أن الأميركي الذي بدا متلوناً وبوجوه صادمة ومتباينة، هو ذاته الأميركي الذي يوجّه رسائل التحدي باتجاه جبهات تشتعل خارج جنيف، لكي تعيد ضبط عقارب الوقت داخله، وكأنه لم يكن.
في الحصيلة لم تنته الجولة الأولى كما بدأت، فلا قبلها يشبه مابعدها، بدليل أن النقاط التي سجلها الوفد السوري جعلت من الاستحالة بمكان أن يكون الحال ذاته، وحتى لو تراءى للبعض غير ذلك، أو دفعت الأوهام بالبعض الآخر إلى التمترس خلف ظواهر صوتية تلاشت قبل أن تقفل القاعات السويسرية أبوابها.. وهذه النقاط ليست للبازار السياسي، بقدر ماتحاكي واقعاً عملياً فرضه ميزان الأداء،حيث الكفة الراجحة تضيف رصيدها السياسي إلى إنجازات تحققت في الميدان، قبل أن تنتقل المواجهة إلى جنيف وأثنائها وبعدها بين التمسك بثوابت الوطن من قبل الوفد السوري وفضائحية «مندوبي» الإرهاب من «ائتلاف فورد»!!
a.ka667@yahoo.com