ثورة أون لاين-بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
بعد ثلاث ورقات سورية، قابلها ائتلاف فورد بثلاثين كلمة «نرفض» أنهى «جنيف» استعراض ما لديه من أوراق في الجولة الأولى، بعضها لم يعد صالحاً للاستخدام، إذ ثبت بالتجربة أن لا مكان له على الطاولة،
وبعضها الآخر جمعته حقيبة المبعوث الأممي ليفرده على طاولة ميونخ، وهناك يحاول الروسي بهدوئه والأميركي بطبعه تدوير زوايا الرؤية في قراءة ما حَفِلت به تلك الأوراق، وما تناثر منها خارج حقيبة المبعوث الأممي، سواء تعمّد ذلك أم كان سهواً!!
لا نعتقد أن المشكلة تكمن في الحقيبة الأممية وحدها، سواء تم الأخذ بما جاء فيها أم تم تجاوزها، لأن المبعوث الأممي ليس بمقدوره الفصل بين جبهات الاشتباك الدولي، كما عجز عن تحديد نقاط الاشتعال داخل الجلسات، وبالتالي فإن المُسلّم به عملياً أن العصي التي كانت تحول دون دوران العجلات في الحلّ السياسي ليست مجرد عقبات موضوعية أو ذاتية، بقدر ماهي مفتعلة ومتعمّدة.
من الصعب الجزم أن هذه النتيجة كانت حاضرة في الخلاصات التي قدّمها المبعوث الأممي للإعلام وهو يقدّم جردة حسابه الأولية، ومن الصعب الجزم أيضاً بأنها ستكون هي ذاتها التي سيقدّمها للأمين العام للأمم المتحدة، وللوزيرين الروسي والأميركي لاحقاً، وهذا يفيض عن الحاجة للاستنتاج بأن العقبات تبدو في اتساعها أكثر من قدرة جنيف على الإحاطة بها من حيث الشكل، ولا تختلف الحال في المضمون.
على هذه القاعدة، وفي إحصائية رقمية كان من الواضح أن العثرات ليست نتيجة سوء تقدير فحسب، بل هي في نهاية المطاف تنفيذ دقيق وأمين لسيناريو تمّ العمل عليه قبل جنيف ويستمر بعده، وهو لا يلحظ -تحت أي مسمى – الفارق بين من يطرح أوراقه الجادة وبين من يحمل لافتة الرفض، والمساواة بينهم في الاستنتاجات والخلاصات لا تصبّ في خانة الموضوعية ولا الحيادية، وما قاله الإبراهيمي عن النقاط التي لمسها لا تجد لها ترجمة على الطاولة.
الأمر لم يعد سراً، وما تحفّظ عليه الإبراهيمي في حديثه تكفّل الأميركيون وأتباعهم في القاعة وخارجها.. القريبون منها والبعيدون بالاستفاضة في شرحه، وما تجاهل الإشارة إليه علناً، كانت أصوات مبحوحة من داخل جنيف ومن خارجه تتولى مهمة الإفصاح والإسهاب في شرحه دون خجل أو حياء، وتستخدمه لتضاعف حضوره، حيث تتدرج العقبات المفتعلة أميركياً بصيغة «التعليب».
وعليه لن يكون صعباً الاستنتاج بأن الوضع وصل إلى ذروته، وأن ما كان يشكّل عثرة في الطريق قبل جنيف، بات معضلة وما كان مشكلة أصبح جملة مشكلات، وهذا يحتّم البحث في جدولة جديدة تعيد الأمور إلى نصابها، والنقاط إلى حروفها التي غرّبت وشرّقت.. صعدت وهبطت في رسم كاريكاتوري، فرض إيقاعه وحركته وأضاع في تموجاته الكثير من الجهد.
فالخلاصات الحقيقية ليست في تعداد نقاط تمَّ رفضها علناً من ائتلاف فورد بما فيها مكافحة الإرهاب، ولم نرَ موقفاً يشير إلى تحفّظ الأمم المتحدة على ممارسات من يُرْشدون من خارج القاعات الذين لم يتوقفوا عن الإفتاء يميناً وشمالاً، ولم يتركوا وسيلة لنسف المؤتمر إلا واتبعوها، بما في ذلك تسريب الموافقة على تسليح الإرهابيين، والحديث عن تصعيد في جبهات محددة، وكأنها لم تكن في غاية التصعيد منذ أشهر.
هذا يحتّم العودة إلى الأوراق واحدة تلو الأخرى، والحديث بالتفصيل عن العناوين التي فرضت إيقاعها لتشميلها في الحقيبة الأممية كورقة واضحة وجليّة، لا تقبل الجدل بأن ما كان سبباً في تأخير انعقاد جنيف هو ذاته الذي يحول دون نجاحه، ومن كان وراء تأجيج الصراع هو ذاته الذي لا يريد للحلّ السياسي أن يرى النور في المدى المنظور، وأن من انتدبهم الأميركي وموّلهم السعودي والتركي والقطري لا يمتلكون الأهلية ولا المقدرة على الحديث في الحلّ السياسي، وهذا ليس اتهاماً بل حقيقة يعرفها الأميركي مسبقاً، ولمسها المبعوث الأممي جيداً.
عند هذه النقطة تبدو أي حصيلة أخرى لا معنى لها دون الأخذ بها، فيما تسجيل النقاط على كل المستويات لا يصبّ في مصلحتهم ويمكن إحصاؤها بالقلم والورقة، بدءاً من انكشاف حقيقة أولئك المرتزقة على موائد التدخل الخارجي، وليس انتهاء بمندوبي الإرهاب وممثليه دولاً وأفراداً وقوى، مروراً بالحقيقة التي برزت وتسطع من جنيف بأن سورية بوفدها ردّت وبالضربة القاضية على أكاذيب ثلاث سنوات، وأفردت في السياسة والإعلام والدبلوماسية ما يحتاج سنوات ضوئية إضافية، كي يسترد فورد وائتلافه ومن ائتلف معهم « نقطة الصفر» التي خسروها.
a.ka667@yahoo.com