تريد التحرّر من لعنة التعريفات.. فليس كل ما ندرك ونحيا، يحتاج عناء وضعه في إطار التعريف..
ماذا يعني أن تغرق بتوصيفهم إياها بالجَدّية.. والمفرطة أحياناً..؟.
ما تعريف الجِّدّية..؟.
هل يعني عيشنا مغامرات غير محسوبة، يجعلنا نحيد عن معنى الجدية..؟!.
لوهلة، أرادت عيش الطيش وفق ما عرّفه إميل سيوران في أحد نصوصه: “هو الترياق الأكثر نجاعةً لألم الكينونة، لخطأ أن يكون المرء ما هو”..
ألا يذكرنا بذاك الجنون الذي دافع عنه ممدوح عدوان في مؤلّفه “دفاعاً عن الجنون”..؟.
سيوران يجعله (امتيازاً وفنّاً)، وغالباً سيكون كذلك لأننا بوسيلته نعالج آلامنا.. ونصبح أكثر قدرةً على التعامل معها.. وبالتالي احتمالها..
ويبدو أننا متى ما أصبحنا قادرين على ارتداء أوجاعنا كقطعةٍ أساسية من مظهرنا العام، نغدو أكثر قوةً في مواجهتها.
الوجع يخفّ كلّما واجهناه.. كلّما حدّقنا به.. ووضعنا أعيننا مباشرةً بأم عينه..
لكن كيف الحال حين يكون وجعنا على هيئة ذاك الآخر الذي قاسمناه أجمل لحظات طيشنا وجنوننا..؟!.
الطيش/الجنون، تلك الوصفة التي تجعلنا نلامس قعر ذواتنا.. فنتعرف عليها بأبهى صيغها.. ممزوجةً بدفقاتٍ من دهشة اكتشاف نبض الجمال فيها كما لو أننا نتعرّف عليه ضمنها لأول مرة..
وكأنه حيلةٌ لعلاج جراحنا.. يمكننا استثماره ما إن نقلبه عن وجهه المعتاد والسلبي..
تماماً، كما قلب سيوران المرضَ إلى وجهه المخفي..
ولما كان بالنسبة له “نشاطاً”، يمكن اعتبار الوجع ذات الشيء، بمعنى (هو النشاط الأكثر حدّة الذي يمكن لإنسان ما أن يطوّره)..
على حال كونه كذلك، غالباً لن يحتاج إلى شطحات الطيش/الجنون، لعلاجه..
ربما نستعين به لتصويب مسار أوجاعنا.. لا أكثر..
ولامتلاك مهارة قلبها إلى وجهها العميق والمخفي..
بالنسبة لنا، نحن معتنقي طيشٍ على مقاس أرض (الآن وهنا)، جعلنا من كل أوجاعنا تلك القوة المحركة الدافعة إلى الأمام.. طورناها نشاطاً.. وربما فاقت، بمرّات، تلك الحدّة التي تخيلها سيوران يوماً.
رؤية – لميس علي