الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
تعد المياه أحد أهم الاحتياجات الإنسانية الأساسية، وقد تؤدي ندرتها الممنهجة إلى عواقب اجتماعية واقتصادية وسياسية صعبة، فضلاً عن تداعيات أمنية خطيرة للغاية، وقد أقرت العديد من المؤسسات الدولية أن السبب الرئيس وراء موجات الهجرة في المنطقة يعود بشكل مباشر أو غير مباشر لندرة المياه، إلى جانب الفقر والصراعات والحروب.
أما منظمة “الفاو” فقد نوهت إلى أن ندرة المياه ستتسبب بخسائر اقتصادية تقدر بـ 6 إلى 14 % من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة خلال عام 2050، وهي أعلى المعدلات حول العالم.
خصوصية مسألة تأمين الموارد المائية لسورية والدول العربية تتأتى من أن الأمن المائي العربي يواجه حالياً ثلاثة تحديات أساسية وهي:
* مشكلات وخلافات مع دول الجوار وخاصة حول مياه نهري دجلة والفرات مع تركيا، وحول نهر النيل مع إثيوبيا.
* أطماع كيان الاحتلال إسرائيلي في الموارد العربية المائية، إذ تشكل المياه أحد أهم العناصر في الاستراتيجية الصهيونية (السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية).
* مواجهة الشح المتزايد في مصادر المياه العربية، خاصة أن 60% من الموارد المائية العربية تنبع من خارج الأراضي العربية.
إن المشكلة التي تواجه سورية والعراق بشأن توفير الموارد المائية هي المشروعات التركية المقامة على نهري الفرات ودجلة، إضافة إلى عدم التزام الجانب التركي بالاتفاق المبرم الذي عقد عام 1980، لتشكيل اللجنة الفنية المشتركة بين تركيا وسورية والعراق، والتي كانت أولى مهامها الوصول إلى اتفاق لقسمة المياه، ولكن منذ عام 1982 عقد 16 اجتماعاً ولم يتم التوصل لنتيجة بسبب التعنت التركي والإصرار على آرائه التي يطرحها والتي تتمثل في استخدام المياه بالمفهوم الاقتصادي، وهنا تكمن الخطورة، حيث إن الأتراك يطرحون هذا المفهوم بصورة توظف وحدة المياه بشكل اقتصادي لصالح الأراضي الزراعية التركية، ويصرون على أن يكون لهم الحصة الكبرى في المياه المشتركة بين العراق وسورية وتركيا، إضافة لذلك فالجانب التركي قاطع اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة منذ عام 1993 بهدف إنجاز المشروعات المخطط لها في تركيا، ولوضع العراق وسورية أمام سياسة الأمر الواقع وبذلك يتحقق الضرر قبل الوصول إلى اتفاق، ومن هنا كانت المشكلة الحقيقية في موضوع المياه حيث تم ربطه مع المسائل السياسية التي تتطلبها السياسة الإسرائيلية الأمريكية باستخدام المياه وسيلة ضغط تركية ضد الجيران.
وباعتبار أن نسبة ما يحصل عليه الكيان الإسرائيلي من المياه، ومن خارج حدود الأراضي العربية المحتلة عام 1967 تبلغ 68% من إجمالي استهلاكها للمياه، بينما تحصل الدول العربية من خارج حدودها على 60% من إجمالي المياه المستهلكة فيها، وهذا يعني مدى حساسية وأهمية عنصر المياه لكلا الطرفين، فأي طرف يمكن أن يستعمل عنصر المياه كورقة ضغط ومساومة بالنسبة للطرف الآخر.
ومما زاد الأمور سوءاً، هو دخول عناصر خارجية في موضوع الصراع على المياه بين كيان العدو الإسرائيلي والدول العربية، مثل تركيا والتي تريد وبإيعاز من الكيان المحتل أن تجعل من المياه سلعة تباع وتشترى مثل النفط، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد أن تجعل من المياه عنصراً هاماً لاستمرار هيمنتها وسيطرتها على المنطقة، في إطار مفهومها الخاص بالعولمة الاقتصادية، فكل الأطراف المختلفة تتسابق مع الزمن لتحقيق أهدافها وجعلها أمراً واقعاً بالنسبة للآخرين.
لذلك كان لابد من توحيد مواقف كل من سورية والعراق للحصول على حقوقهما المائية وتعزيز التعاون بينهما في هذا المجال، حيث زار وزير الموارد المائية العراقي دمشق لبحث التحديات التي تتعلق بالواقع المائي للبلدين بما فيها التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية وتعنت الجانب التركي فيما يخص تخفيض معدل إطلاق مياه نهري الفرات ودجلة.
وأكد الجانبان استعدادهما للتعاون المشترك من أجل معالجة ظروف شح المياه وتذليل المعوقات التي تحول دون حصولهما على حصصهما القانونية من مياه النهرين، لأن تأمين مصادر المياه لا يقل أهمية عن معركة مكافحة الإرهاب، وكما كان التنسيق السوري – العراقي في مكافحة الإرهاب مثمراً خلال سنوات الحرب فإن التعاون والتنسيق بين البلدين الشقيقين لتأمين احتياجاتهما المائية من نهري الفرات ودجلة ضروري ولا يقل أهمية لما له من تأثير مباشر على الحياة الاقتصادية والمعيشية لشعبي البلدين.