دبلوماسية كيري ومصيدة الفشل

ثورة أون لاين – رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
يعلو سقف الانتقادات الموجهة للدبلوماسية الأميركية وتزداد سخونة الحديث عنها، وتتناقض على الضفة الأخرى الاعترافات المتأخرة بأوجه القصور ومكامن الخلل وهي توضع في التداول العلني وتتعدد طرق سحبها نفياً أو تأكيداً،

وهي لا تنفي تحوّلها من دور السجان الإفرادي المتحكم بمداخل ومخارج القرار العالمي المصنّع في مكاتب البيت الأبيض، إلى لاجئ داخل أروقته يبحث عن عوامل الأمان، ولا تتردد في الإقرار بحاجتها لمن يضعها في حاضنة سياسية، أو لمن يرعاها بعد أن ظهرت عليها ملامح صبيانية سياسية مبكرة وفي غير أوانها.‏

وإذا كانت الاعترافات الأميركية المتتالية لا تقدم ما يمكن التعويل عليه وهي تموج في تقلباتها يميناً ويساراً، فإنه بمطلق الأحوال لا يمكن اغفال أن ما ينتج عنها من تداعيات تشكل مستنداً سياسياً يمكن الاتكاء عليه لقراءة تداعيات سلسلة من الأخطاء البنيوية في النظام السياسي، القائم على إرث القوة الوحيدة التي أفل تفردها في قيادة العالم دون أن تتخلى عن قواعد اللعبة التي كانت معتمدة آنذاك.‏

لكن وبالمقياس ذاته، لا يستطيع أحد أن يبني على المراجعة القائمة التي تشمل مختلف مستويات ومصادر القرار الأميركي، كي يستنتج أو يحدد معالم المتغيرات الفعلية في سياسة تصرّ على الاصطدام بالحائط دون أن تبدّل من معطياتها، ولا أن تغير من الاعتبارات التي تحكم سياستها، وحتى التصريحات التي جرت وتجري على أكثر من نسق وتتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية وطريقة تعاطيها مع الأزمة في سورية، ليست معياراً يمكن الاحتكام إليه لقراءة مدى جدية تلك المراجعة ودورها في إحداث تعديلات جوهرية في سلوكها.‏

ما يمكن تأكيده أن تداعيات الفشل في مقاربة الملفات المفتوحة على مستوى المنطقة ترخي بظلالها وتطرح الأسئلة التي تبدو إجاباتها مؤجلة، والاستنتاجات المقدمة لا تعدو أكثر من قراءة متسرّعة في سياق فهم أسباب وأبعاد وصول القوة الأميركية إلى الغرف من قاع التمنيات المحكومة بهذا القدر من الأوهام، وأن تعوّل في نهاية المطاف على ذات الأدوات، وأن تبقي التفويض الممنوح لكثير من تلك الأدوات موضع شبهة رغم ثبات الفشل في إحداث أي اختراق!!‏

تزامن هذا كله مع تسريبات الاستقالات والاعترافات التي تطول فريق الدبلوماسية الأميركية، يعيد إنتاج الأسئلة الصعبة في فهم الأسباب التي تدفع بسياسة الدولة العظمى في العالم إلى تقمص أدوار الدول المستحدثة في السياسة، وأن تبدو عليها الارتجالية إلى هذا الحد، وأن تكون في نهاية المطاف عبارة عن جملة من الالتواءات والتعرجات التي أنتجت جسداً دبلوماسياً متخماً بالأخطاء والعيوب الصنعية، كما هو متخم بالارتكابات الشخصية التي تجعل مهمة الدبلوماسية تحت ضغط عاصفة هوجاء من الانتقادات.‏

لا تستند المقاربات الأميركية في جوهرها إلى ما بات يعرف اصطلاحاً بمصادرة النتائج افتراضياً وإلى معطيات حقيقية بقدر ما تحاكي تمنيات تخرج أحياناً عن سياق الاعتماد على ما ينتج عنها من مشاهد قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وباتت أميركا تُكثر من المحاججة في اعتراف هنا وسحبه هناك.‏

ولا نعتقد أنه يمكن التعويل على ما تعترف به الإدارة الأميركية هذه الأيام، ولا على الخلاصات المتزايدة، التي تقدمها بعد أن تحولت في كثير من الأحيان إلى مجرد أحجيات ومنهج تسويق يعتمد على بالونات اختبار بدائية وساذجة للقوة الروسية، وبالتالي ليس من الصعب الحسم في مسائل المقاربات المتناقضة التي توّجتها الاعترافات الأميركية المتأخرة تمهيداً لملامسة عتبات التوبة.‏

بين اعترافات كيري وتسريبات رئيس الاستخبارات الأميركية وسحبها أو نفي صدورها، تبدو المفارقة كنوبة من الهذيان لدى صانع القرار الأميركي الباحث عن أجندة جديدة يمكن أن تحفظ ماء وجهه على المسرح الدولي، وتحديداً فيما يخص السياسة الأميركية حيال الأزمة في سورية.‏

فالتصنيع الأميركي للمعارك الوهمية واشعال الجبهات الجانبية وتسخين حدة المواجهات الهامشية، يصطدم بجدار الفشل ذاته، ولم تتعلم أميركا من كل تجاربها السابقة بقدر ما مارست سياسة النعامة ودفن رأسها في الرمال، والعودة في الرهان على الخيارات الفاشلة، والتمسك بالبوابات الخاطئة التي لا تصلح معها مفاتيح الشرطي العالمي الصدئة، ولا يمكن الاعتماد في نهاية المطاف على ما تنتجه من خيارات يطرحها الوقت الضاغط على ملفات أثبتت بالتجربة عجزها عن إغلاقها.. وبالممارسة فشلها في تطويق الانتقادات التي فتحت نيرانها من الداخل الأميركي بعد أن عبّدت الطريق لها «المشاغبة» الإسرائيلية.‏

صحيح أنه لم يسبق أن دخلت الدبلوماسية الأميركية في معركة «عتب المحب» مع الإسرائيليين إلا وخرجت في نهاية المطاف، وهي تحمل انكساراً واضحاً.. لكن الصحيح أيضاً أن القطوع الأخير من ارتباك الدبلوماسية الأميركية كان حصيلة أحد تداعيات الإفلاس في جنيف، بعد تبني المعادلات القائمة على حسابات «الصبية» المعتمدين لديها، لتصطاد في نهاية المطاف الفشل.‏

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
خربوطلي لـ"الثورة": مع انفتاح الأسواق.. سوريا بحاجة للانضمام لـ"التجارة العالمية" قلق الامتحانات يؤرق الطالب والأهل.. د. السلامة: تحويل الانتكاسات لنقاط قوة تنظيم نقل الركاب في درعا وشكاوى على غلاء التعرفة "التربية": دعم عودة اللاجئين والطلاب بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة رقابة صارمة على إنتاج الخبز في درعا أصدقاء الصفحة.. مبدع من بلدي.. إبراهيم جبر عوير الثورة: طلاب التاسع والبكالوريا المهنية ينهون امتحان التربية الدينية بثقة عادة الدقّ في ريف إدلب.. طقس الجمال والتراث الذي اختفى مع السنين الخزانة الأميركية تُنفذ قرار ترامب.. إزالة 518 اسماً وإعادة تصنيف 139 ضمن قوائم الإرهاب واشنطن ترفع العقوبات الشاملة عن سوريا.. خارطة قانونية جديدة للعلاقات الاقتصادية والتجارية دمشق.. العودة إلى الوطن بعد أربعة عشر عامًا من المنفى تأملات في العدالة والذاكرة ومستقبل سوريا التشكيلي مراد: الهواية تغذي الروح حين تمارس بشغف ترامب يُنهي العقوبات على سوريا ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة كأس العالم للأندية.. مفاجأتان من العيار الثقيل.. بطلهما الهلال و فلومينيزي قرار ترامب يفتح الأبواب لانتعاش اقتصادي استثنائي ويمبلدون (2025).. خروج مُبكر لمدفيديف وأُنس جابر وتأهل ألكاراز اليوم .. انطلاق البطولة العربية لسلة السيدات اليوم.. نهائيات سلة الرجال الثانية افتتاح أول فرن مدعوم في سراقب لتحسين واقع المعيشة