ينكس القلب بقدر الصدأ الذي يتراكم عليه وفيه.. بقدر عمره وما يَطبع عليه وصيرورته.. صدأ ناتج عن تراكم المعاصي الأخلاقية والسلوكية.. من إفرازات الحروب الظالمة.. التي مورست على الشعوب كافة.. وخاصة تلك التي نشبت مع بدايات القرن الحادي والعشرين..
حروب انتفت منها السمات الإنسانية، ما يجعل مُشْعِلِيها متورطين بصفتهم مجرمي حرب.. يستمرؤونها غير آبهين، ما يجعل متضرريها يطالبون بتحويلهم للمحاكم الدولية لمقاضاتهم. لكن هل يتحقق ذلك.. هنا يبرز السؤال الأكثر نضوجاً.. مَنْ المتحكم بهذه المحاكم؟..
يتراكم بفعل هذه الحروب الصدأ على القلوب المثقلة بجهنمية القتل والتدمير، وإيذاء الغير.. حتى لتصبح هشاشة إنسانيتها أوهن من بيت العنكبوت. قلوب لابد من التعرف والوصول إلى خواصها ومفردات أبجديتها، لإمكانية مواجهتها باللغة ذاتها التي تفهمها. البادئ أظلم.
مشهد مفرزات الحروب الجائرة، يزداد وضوحاً عندما تتصعد حرب الاغتيالات. وأكثر ما يتبين من صورها ما يمارسه الكيان الصهيوني من هجمات دموية تجاه أبناء فلسطين المحتلة داخل حدودها وخارجها. وتبدو أكثر قتامة عندما تمارس نحو أبناء دول حليفة لهم.
عندها يكون الرد بهجمات ضد مخططي الضربات الصهيونية، وقد تنتشر في ساحات العالم حيث يتواجدون. هو الحق المشروع الذي تكفله مواثيق الأمم المتحدة بالدفاع عن سيادة الدول وأبنائها بكل الوسائل المتاحة.. بالذات عندما يكون الاحتلال استيطانياً..
عندما يتباهى نفتالي بينيت رئيس وزراء الكيان الصهيوني بجهاز الموساد أنه المبادر باستفزاز من يدعوهم أعداءهم، تتوضح أنصع صور القلوب الصدئة.. وكذا تباهي أردوغان بإنجازاته على الأرض السورية، الاحتلالية، قاتل أبناء الأرض الأصليين..
صدأ القلوب يورث الخيانة.. وبلادة في الحس الوطني.. أمر لمسناه واضحاً عندما انحاز أصحاب هذه القلوب (الإخوان المسلمون) المنخرطون ضد بلدهم مع أعدائه. مرة عندما أهدوا لواء إسكندرون لتركيا أتاتورك، وأخرى عندما أهدوا فلسطين لليهود..
قلوب تراكم الصدأ عليها ما جعلهم يتحركون بلا مشاعر، حتى صارت قلوبهم مضخة دم تحرك روبوتاً. ويكتمل المشهد مع من أنهكوا الوطن والشعب الذي ينتمون إليه، عقداً من الزمن حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.. أصابع كثر تحاول التحكم بمصير شعب حر..
من المسؤول عن تراكم هذا الصدأ؟ إنه الأسرة غفلة أب وجهل أم، غياب رادع القانون، وأقرانٌ في بيئةٍ غير صحية نفسياً وسلوكياً. ومع اتساع مساحة العمر يزداد الصدأ تراكماً. يبرز المتطرفون والمنحازون عن منصة الوطن بأعمار متفاوتة..
هل نَدَعْ هؤلاء إلى مالانهاية، ليقضي عليهم تَآكُلِ قلوبهم هشاشة أو تحجراً، فإما هلاك وإما نُفوق بشنآنه. فلنتلطف مع من كان صدأ قلبه شغافاً غير لصيق، فنمد له يد المساعدة لا يد المنون.. فالثواب للرشد يحتاج دليلاً.. لم لا نكون نحن الدليل..
تلك مسألة لم يغفل عنها قلب سيد الوطن، فكانت مكرمات العفو التي يصدرها تأتي بالتائبين إلى عتبات الوطن، راكعين يستسمحون تربه الذي ضمّ قوافل الشهداء دفاعاً عنه. من قد يكون أخاً لهم أو قريباً؛ صديق طفولة أم جاراً بعيداً. موجهين التوبة لأرواحهم الطاهرة.
أما من طال أمد بُعاده عن جادة الصواب؛ ولم يأكل الصدأ كامل قلبه؛ ها هي مكرمة القائد مؤخراً؛ تأتي بهم آلافاً نحو جادة الصواب. دليلهم لها أهلٌ لم تعجزهم الأيام تتبع أبنائهم، كذا رؤساء عشائرهم وكبار أقوامهم. لم ييأسوا من سقاية بذرة الخير لتنتشي، وتطرح خيراً..
صور العفو والمصالحات الوطنية لمن ضلوا السبيل يوماً؛ تثلج الصدور. هي أهم رسالة للداخل، درب لتخطي التفكك الاجتماعي؛ غايتها تماسك أبناء الوطن، في لحمة غيريّة تنتج مقاومة وطنية ضد مغتصبي تربه، لتحريرها وإعادة إعمار الإنسان.
رسالة للعالم، أن السوري قادر على نفض صدأ قلبه رغم كل المغريات التي نُحِتَتْ بحرفية، محاولة جعل قلبه مضخة تتحجر فيها المشاعر وتتموت الأحاسيس. هي رسالة لكل من غَرَّرَ بمن حمل السلاح ضد أهله، أنتم العابرون.. الخاسرون لا محالة.. ونحن المنتصرون. وهذا آخر ما حرر..
إضاءات -شهناز صبحي فاكوش