يلاحظ من خلال التصعيد الأميركي والغربي غير المسبوق ضد روسيا، أن الولايات المتحدة تهيئ الأرضية لمرحلة تصادم عسكري غير محسوبة النتائج، فهي أحاطت روسيا بقواعد عسكرية من جميع الجهات، وبدأت بإثارة وتضخيم الهيستيريا العسكرية على حدودها، وفق ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ويكفي الاستماع للتصريحات العدائية الأميركية والبريطانية وقادة “الناتو”، بضرورة التصدي لما سموه “السلوك العدواني لروسيا”، لندرك أن هذه التصريحات تتجاوز أهدافها الأغراض السياسية، وربما تقدم منظومة المعسكر الغربي على ارتكاب أي حماقة عسكرية بهدف إعادة تثبيت هيمنتها على الساحة العالمية.
روسيا التي تراقب عن كثب التحركات الأميركية و”الأطلسية” العسكرية على حدودها، تدرك تماماً مضامين وأبعاد هذه الحشودات، والرسائل السياسية من ورائها، وردها على هذا التصعيد ما زال يأخذ الطابع الدفاعي، ولكنها بكل تأكيد لن تسمح لـ”الناتو” بتجاوز خطوطها الحمراء في أوكرانيا، كما أكد الرئيس فلاديمير بوتين، وكذلك لن تسمح لأي قوة أن تعبث بأمنها واستقرارها عبر البحر الأسود، وهنا يجب على الولايات المتحدة أن تقرأ بدورها رسائل التحذير الروسية، حيث مواصلة اللعب بنار التصعيد والاستفزاز العسكري، سيهدد الأمن الدولي والاستقرار الاستراتيجي، ولن يكون في المصلحة الغربية، في ظل توازنات القوى الجديدة على المسرح العالمي.
ربما يقول البعض إن سياسة التصعيد التي تنتهجها إدارة بايدن وحلفاؤها، هي لإعلاء سقوف التفاوض مع الجانب الروسي لحل الأزمات الدولية، ولاسيما في ظل الحديث حول انعقاد قمة ثانية محتملة بين الرئيسين بوتين وبايدن، ولكن بالحقيقة فإن هذا التصعيد هو لإغلاق أبواب الحوار والتفاهم، فهذه الإدارة كسابقاتها لن تتخلى طوعاً عن سياسة الهيمنة والبلطجة الدولية، ودفعها نحو عسكرة الوضع، وتحشيد حلفائها في “الناتو” ضد روسيا، يدل على أنها تسعى لإعادة ترتيب موازين القوى العالمية بما يتناسب مع نزعتها نحو الحفاظ على سياسة هيمنة القطب الواحد، حيث إنها ما زالت ترفض التعايش مع حقيقة أن العالم يتغير عكس الاتجاه الذي تريده، في ظل بروز قوى مؤثرة وفاعلة تنافسها على المسرح الدولي.
إدارة بايدن ترفع سقوف التصادم، ما يعني أنها اختارت مع معسكرها الغربي طريق المواجهة، ولكنها لن تستطيع تكريس قواعد هيمنتها لأمد طويل، وهي عاجزة عن ضمان عدم تعرضها لهزيمة وخسارة قاسية في أي مواجهة محتملة، والعالم يتابع اليوم كيف تحصد تداعيات فشلها العسكري والسياسي على أكثر من جبهة دولية، والأجدى بها أن تتخلى عن غطرستها، وتعترف بحقيقة أنها لم تعد قادرة على التفرد بقيادة العالم وفق ما تمليه مصالحها الاستعمارية، فالقوى الدولية الصاعدة تفرض حضورها ومعادلات قوتها على الأرض، والعالم يتجه بسرعة نحو ترسيخ قواعد نظام عالمي متعدد الأقطاب تنتفي معه سياسة الهيمنة الأميركية.
البقعة الساخنة – بقلم أمين التحرير ناصر منذر