الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
وسعت الولايات المتحدة وكندا وحلفاؤهم الأوروبيون الأسبوع الماضي عقوبات على بيلاروسيا لـ “تنظيم” أزمة الهجرة البولندية البيلاروسية. وفي غضون ذلك، فإن أوروبا تعاني من مشكلة اللاجئين الخاصة بها، ويبدو هذا واضحاً من التطورات الفرنسية البريطانية الأخيرة.
بشكل عام، إن العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي آخذة في التدهور، وبصرف النظرعن العديد من نقاط الخلاف المتعلقة بحقوق الصيد ومسألة اتفاقية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وبروتوكول أيرلندا الشمالية، هناك أزمة القناة الإنكليزية اليوم. وبينما يتم الحديث كثيراً عن الوضع البولندي البيلاروسي، وصل أكثر من 25000 طالب لجوء هذا العام إلى بريطانيا عن طريق قوارب صغيرة عبر القناة مما أدى إلى زيادة التوترات بين بريطانيا وفرنسا.
وفي 24 تشرين الثاني، غرق أكثر من 27 شخصاً أثناء عبورهم لا مانش (كما يطلق الفرنسيون على القناة)، على بعد أميال قليلة من ميناء كاليه الفرنسي. دفعت هذه المأساة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى إرسال رسالة مفتوحة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقترح فيها سلسلة من الإجراءات لتجنب مثل هذه الحوادث. وشملت تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية والمزيد من الدوريات المشتركة، فضلا عن توقيع اتفاق عودة ثنائي.
ومع ذلك، لم يكن رد باريس ودياً، فقد منع وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين نظيرته البريطانية بريتي باتيلمن المشاركة في قمة متعددة الأطراف حول موضوع الهجرة في كاليه. ووصف رسالة جونسون العامة بأنها “مخيبة للآمال” و “غير مقبولة”. كما حث دارمانين بريطانيا على فتح طريق قانوني لطالبي اللجوء لمنعهم من عبور القناة في قوارب صغيرة والمخاطرة بحياتهم، ويمكن لموظفي الهجرة في المملكة المتحدة حاليا معالجة طلبات اللجوء في مكتب شمال فرنسا. ولكن ومع ذلك، فإن التعاون بين البلدين أصبح أكثر صعوبة. ووفقاً لصحيفة Canard Enchainé ، وصف ماكرون جونسون في محادثات خاصة مع مساعديه، بأنه “مهرج”، وبأن الرسالة المنشورة على تويتر تفتقر إلى الجدية والاحترام.
تضع باريس كل اللوم بشكل أساسي على لندن، مدعيةً أن سوق العمل البريطاني يجذب المهاجرين، مما يسمح للشخص بالعمل في إنكلترا “دون أي هوية” وبالتالي ستكون بريطانيا أكثر “جاذبية اقتصادياً” للهجرة غير الشرعية. كما اتهم وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي كليمان بون المملكة المتحدة بالحفاظ على “نموذج اقتصادي للعبودية شبه الحديثة في بعض الأحيان” وذكر أن “أحد محركات السياسة الاقتصادية الإنكليزية، وليس كلها ، هو توظيف العمال بشكل غير قانوني “. وعلى الرغم من بعض المبالغة فيه، إلا أن مثل هذا الوصف حقيقي تماماً بالنسبة لمعظم أوروبا. في العام الماضي، تلقى الاتحاد الأوروبي أكثر من 400 ألف طلب لجوء، بينما تلقت المملكة المتحدة 29 ألف طلب.
رفض رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس رسمياً اقتراح جونسون لباريس بأن تقوم قوات الأمن البريطانية بدوريات على الجانب الفرنسي من الساحل، ووصف ذلك بأنه انتهاك للسيادة الفرنسية، وأضاف أن إعادة المهاجرين إلى فرنسا “ليس خياراً” أيضاً.
ويعود سبب الأزمة الحالية إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: حيث فقد البريطانيون أساساً نفوذهم لإقناع أي دولة في الاتحاد الأوروبي بالتعاون فيما يتعلق بإبقاء المهاجرين بعيداً عن الجانب الآخر من الحدود (البحرية). جادل بعض السياسيين الفرنسيين بأن على باريس الانسحاب من معاهدة توكيه الأنجلو-فرنسية للرد على ما يعتبرونه انتهاكات لندن لاتفاقية الانسحاب بينها وبين الاتحاد الأوروبي. معاهدة توكيه هي اتفاقية عام 2004 تسمح بضوابط حدودية متبادلة للمسؤولين البريطانيين والفرنسيين في كل من البلدين.
ومع ذلك، فإن العلاقات الفرنسية البريطانية في أدنى مستوياتها منذ عقود، وقد تستمر الأزمة الحالية لفترة طويلة.
فإلى جانب التوترات الفرنسية-الإنكليزية، هناك في الواقع أزمة الهجرة الأوروبية اليوم، حيث قررت بعض الدول الأوروبية بناء جدران على طول حدودها لإبعاد اللاجئين والمهاجرين. وقد وصف البابا فرانسيس هذا الأسبوع الوضع الحالي بأنه “حطام سفينة الحضارة”، فالشيء الوحيد الذي يجعل تقاسم المسؤولية صعباً حتى داخل الاتحاد الأوروبي نفسه هو حقيقة أن الدول الأعضاء لديها مواقف مختلفة داخل الكتلة، فيما يتعلق بالتركيبة السكانية والاقتصاد، فضلاً عن النفوذ والسلطة. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يعمل على فرضية أن جميع الدول الأعضاء “متساوية”، إلا إن هذا ليس صحيحاً فيما يتعلق بالقدرة على الترحيب بطالبي اللجوء وإدارة الهجرة بشكل عام.
وسواء على القناة أو على حدود بولندا، فإن جزءًا كبيراً من اللاجئين يأتون من دول الشرق الأوسط التي مزقتها الحرب مثل سورية والعراق، والقوى الأوروبية بما في ذلك إنكلترا تتحمل المسؤولية على مثل هذا الوضع بسبب تسليحهم وتمويلهم للجماعات الإرهابية في تلك المنطقة. ولكن حقيقة أن فرنسا والاتحاد الأوروبي يلقيان باللوم على المملكة المتحدة وحدها في وضع القناة اليوم يذكّر بالطريقة التي يتعامل بها الاتحاد مع أزمة الهجرة البولندية البيلاروسية، إنها في الأساس حرب روايات فقط.
المصدر: Global Research