الثورة :
في قاعة الأوبرا بدار الأسد للثقافة والفنون افتتح مساء أمس الأحد الموسم الرابع لأيام الفن التشكيلي السوري بعرض بصري سمعي تحية لذكرى الفنان المعلم محمود جلال بمناسبة مرور مئة وعشر سنوات على ولادته.
للموسم الرابع اختير عنوان 10000عام، وهو عمر أقدم اللقى الأثرية الفنية التي عثر عليها (حتى الآن) وتتكون من ثمانية تماثيل صغيرة من الصلصال المقسى بالنار، والأهم ما صُنع من الحجر الكلسي، كما أشارت الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة في كلمتها الافتتاحية، هذه التماثيل المحفوظة في المتحف الوطني بحلب، تم اكتشافها خلال التنقيبات الأثرية في تل مريبط على الضفة اليسرى لنهر الفرات الأوسط (80 كم جنوب شرق حلب).
يعد المريبط من أهم المواقع المشرقية والعالمية التي دلت مكتشفاتها على أربع سويات أثرية رئيسية أظهرت استيطاناً مستمراً مدة قاربت الألفي سنة. والأهم أنها دلت على الانعطاف الاقتصادي والاجتماعي الكبير الذي حصل في عصور ما قبل التاريخ وأصبح يعرف باسم neolithic revolution (ثورة العصر الحجري الحديث) أو (الثورة الزراعية) إذ تميزت بتحول الإنسان من حياة التنقل والصيد والتقاط النباتات، إلى البناء والاستقرار وممارسة الزراعة وتدجين الحيوانات. وقد رافق ذلك ابتكارات في مجال العمارة والتقانات والتنظيم والمعتقدات والفنون وغيرها من الإنجازات التي مهدت الطريق للحضارات التاريخية الكبرى فيما بعد. وتُعبّر مجموعة التماثيل الأقدم عن تلك التحولات الكبرى، ويعتقد الآثاريون أنها تمثل المرأة كمبدأ للخصوبة حيث حرص الفنان القديم على تأكيد الجانب الأنثوي فيها، في حين أهمل معالم الوجه لعدم ارتباطها المباشر برمزية التمثال.
يكرس عنوان أيام الفن التشكيلي لهذا العام توجهها نحو وصل ما انقطع من تاريخنا الإبداعي، وهو ما عُبِّر بالحديث عن اختيار منحوتة أبدعها النحات السوري قبل خمسة آلف عام رمزاً لمهرجان ثقافي تشكيلي يحتفي بالآني والآتي، والمنحوتة المقصودة عُثر عليها فيما أطلق عليه اسم (معبد العيون) الذي تم اكتشافه في تل براك عند الحد الشمالي من وادي الرافدين على بعد 40 كم شمال شرق مدينة الحسكة، ضمن مجموعة من التماثيل الصغيرة، بشكل أقنعة ورؤوس ذات عيون واسعة للغاية.
بدأ حفل أيام الفن التشكيلي السوري بافتتاح معرض الفنانين المكرمة ذكراهم، والفنانين المكرمين في بهو مسرح الدراما، ثم معرض الفنان المعلم محمود جلال في بهو قاعة الدراما، وتضمن الحفل تكريم ذكرى ثلاثة من الفنانين الرواد هم: الفنان المعلم ميلاد الشايب، والمصورة سوسن جلال، والنحات فؤاد أبو عساف، وتكريم ثلاث قامات فنية هم: المصور ناثر حسني، والنحات محمد بعجانو، والمصورة سارة شما، مع سرد موجز لسيرتهم الإبداعية وعرض بعض من أعمالهن، على الشاشة، وفي الدليل الذي وزع على الحضور.
تستمر فعاليات الموسم الرابع حتى نهاية الشهر متضمنة: معرض الخريف السنوي في خان أسعد باشا، ومعرض من مقتنيات وزارة الثقافة لفناني الثمانينات في صالة الشعب، والمعرض السنوي للخط والخزف والتصوير الضوئي في متحف دمر، مع ورشة عمل بالخط العربي لخطاطين من إيران وسورية، وندوتان في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق الأولى بعنوان: (العمارة المعاصرة وأثرها في الهوية البصرية) والثانية بعنوان: (الصورة وصناعة الوعي).
إضافة لمعارض اتحاد الفنانين التشكيليين ووزارة التربة وصالات العرض الخاصة يتضمن الموسم الحالي مسابقة (فن البورتريه رسماً ونحتاً) للفنانين الشباب ضمن قلعة دمشق لمدة أربعة أيام باستخدام مواد إعادة التدوير، والمسابقة الأولى لتصميم الملصق بعنوان (الفن السوري 10000عام) يقام معرضٌ لها في مكتبة الأسد الوطنية.
في كلمتها الافتتاحية أشارت د. مشوّح إلى أنه تم بين الموسمين السابق والحالي رصد تطور الحركة التشكيلية السورية، وهو ما عكسه العدد الكبير من المعارض التي أقيمت في سورية وخارجها، معتبرة أن هذا «مؤشر بداية تعافٍ بدأت تؤتي أُكُلَها» ولا شك أن أيام الفن التشكيلي السوري باستمرارها وتطورها، هي بعض من هذا المؤشر.
وللحديث تتمة.
إضاءات -سعد القاسم