تعود معرفة الإنسان لأول ناتج للكراهية للعلاقة التي ربطت ابني آدم ببعضهما، إذ قتل قابيل أخاه (هابيل) لأن الرب تقبّل قربان هابيل ، ولم يتقبل قربان قابيل لأنه لم يكن قرباناً خالصاً للتضحية ، وإنما كان لمآرب ومصالح شخصية جعلت قربانه مرفوضاً ، لتكون النتيجة تسجيل أول جريمة شهدتها البشرية ، ولتكون بعدها المثال الذي يسوقه الكثيرون بشأن الخلافات التي تفضي إلى نزاعات واقتتال حتى بين الأُخوة الأشقاء أنفسهم ، وهو ما ينسحب على الخلافات بين أبناء المجتمع الواحد ، أو المجموعة الواحدة ، فكيف يكون الحال خارج ذلك؟. ولعل الصورة الصارخة لخطاب الكراهية في التاريخ البشري تكمن في مقولة ( شعب الله المختار) ، تلك المقولة التي شكّلت أساس واحدة من أكثر العقائد حضاً على الكراهية والنظر إلى غير أصحابها باعتبارهم مخلوقات دونية وجدت لخدمة أفراد الشعب المختار ، فانعكست لحروب دامية وجرائم مستمرة لا تجد إدانة من المحاكم والقضاء ، ويزيد من بشاعتها وجود أطراف من خارجها تدعمها وتتواطأ معها قابلة بذلك التمييز على أساس أنه حق إلهي مزعوم.
ومما يثير التساؤلات الكثيرة قيام الحكومات والأنظمة التي تدعي الحرية كالولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية وغيرها تدعو من حيث الشكل لمحاربة خطاب الكراهية ، فيما تمارس الكراهية والتمييز العنصري والفئوي وتصدر أحكاماً قاسية بحق الأفراد الذين يبدون أو يظهرون آراءً تتعارض مع تلك المفاهيم المفروضة ظلماً وتكذيباً لوقائع التاريخ والمنطق ، وما يعيشه أبناء شعبنا الفلسطيني داخل أرضه المغتصبة يمثل قمة التطرف والكراهية التي تتجاوز الخطاب السياسي والاجتماعي والثقافي لتصل حدّ قتل فلسطينيين في الشوارع وسط هتافات تمثل أسوأ وأبشع خطابات الكراهية والتي لا ترى في قتل الفلسطيني جرماً يمكن أن يحاسب عليه القانون.
ولا يقتصر خطاب الكراهية على منطقة أو بيئة محددة وهو يكاد يصل معظم المجتمعات في ظل نشر ثقافات العداء والفرقة مع بدعة النظام العالمي الجديد القائم على فكرة صراع الحضارات واعتبار ( الأمة الأميركية) تمثل الحالة العليا ونظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي يمثل الحالة الوحيدة الجديرة بالاتباع والتقليد ، فيما الثقافات الأصلية كلّها يتوجب نسيانها والانتقال إلى العصر الأميركي ، ذلك العصر الذي نشط تفريق وتجزئة أبناء المجتمع الواحد وبث روح الفرقة والكراهية بينهم واستخدام بعضهم لقتل ذويه في الكثير من المجتمعات ، وخاصة في مناطق الشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وأفريقيا ، فكانت التنظيمات الإرهابية والمتطرفة نتاج تلك السياسات وتنتقل بعدها خطابات الكراهية بين الشعوب والمجتمعات واقعاً يتهدد مستقبل العالم ويحيل حياة الناس إلى قلق ومخاوف تعيق آليات التعاون والتقدم وتخرب وتدمر الكثير من المجتمعات ، وتبقى عقيدة التمييز والكراهية وحدها المسؤولة عن نشر تلك الخطابات الكريهة.
معا على الطريق – مصطفى المقداد