القدود الحلبية في سِفر العالمية

الملحق الثقافي:سلام الفاضل:

انطلقت القدود الحلبية بجناحين من عراقة وأصالة نحو العالمية بعد أن أدرجتها مؤخراً منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) على لائحة التراث الإنساني، وذلك خلال اجتماع الدورة السادسة عشرة للجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي اللامادي في فرنسا، لتكون القدود الحلبية بذلك مرآة تعكس عمق وأهمية التراث الفني السوري، وامتداداً لفن إنساني متجذر في التاريخ يقع على عاتقنا، وعاتق الأجيال اللاحقة صونه، والحفاظ عليه.
والقد في اللغة هو القامة والمقدار، واصطلاحاً هو أن تصنع شيئاً على مقدار شيء، أما في الإيقاع والنغم وما يوافقهما فهو تماثل القافيتين وحرف الروي، أما القد الحلبي فهو نوع من الفنون الموسيقية السورية الأصيلة، وهو منظومات غنائية أنشئت على أعاريض وألحان دينية أو مدنية، بمعنى أنه بُني على قد، أي على قدر أغنية شائعة، إذ تستفيد من شيوعها لتحقق حضورها، ومن هنا جاء اسمه؛ وللقدود الحلبية أنواع عدة، هي: القد الشعبي وهو عبارة عن منظومات غنائية متوارثة عن الأجداد، والقسم الأكبر منه لا يُعرف كاتبه أو ملحنه؛ والقد الموشح الذي يُبنى عادة على نظام الموشح القديم من حيث الشكل الفني وبصياغة جديدة، وله ثلاثة مصادر: (الموشحات والأناشيد الدينية المتداولة في الموالد والأذكار، والأغاني الشعبية والفولكلورية والتراثية، والأغاني والموشحات الأعجمية التركية والفارسية على وجه الخصوص)؛ وفي هذا يقول الفنان :(عيسى فياض) نقلاً عن الباحث الأستاذ (عبد الفتاح قلعة جي): «كلمة (قد) تعني المقاس. فالألحان الدينية كانت تخرج من الزوايا الصوفية لتبحث عن كلمات فيها الغزل وفيها القضايا الاجتماعية، فيبقى اللحن الذي كان أساساً أنشودة دينية وتصوغ وفقه كلمات تدخل في الحياة اليومية فهذه على قد تلك، ومن هنا نشأ القد. أما من الناحية الموسيقية فالقد ليس قالباً موسيقياً بحد ذاته، لكنّه يأخذ شكل القالب الأساسي الذي نشأ منه، فإن كان بالأصل موشحاً بقي كذلك، وإن كان طقطوقة أو أغنية بقي كذلك أيضاً، من هنا نرى أن القدود اشتهرت بأسماء مؤلفيها، وليس بأسماء ملحنيها (المجهولون على الغالب)، فالذين ألفوا القدود هم شعراء لكنهم يمتلكون ذائقة موسيقية جيدة، ومنهم من كان موسيقياً أيضاً».
وقد اشتهرت مدينة حلب السورية بهذا اللون الغنائي منذ القدم، وحافظ أهلها عليه وطوّروه، وانخرطوا في تعلّمه، وتتبع مشاربه ومدارسه، وقد قيل يوماً أن متتبعي هذا الفن لاحظوا أن كبار وروّاد هذا اللون الغنائي قد أخذوه مشافهة أي بالتلقين المباشر، والتواتر إن صح التعبير. وقد يكون مرد اشتهار حلب بهذا الصنف الغنائي كما يقول الفنان :(عيسى فياض) يعود إلى أمرين: «أولهما: احتضان حلب للعديد من الفنون الموسيقية الوافدة إليها بسبب موقعها التجاري والفني الهام، ومن تلك الفنون قدود الشيخ (أمين الجندي)، والأمر الآخر، وهو الأهم، نشوء الإذاعة في حلب الأمر الذي ساعد في توثيق وتسجيل العديد من تلك القدود ضمن وصلات الغناء التراثية التي سجلتها وبثتها الإذاعة، وعليه فقد تعرّف عليها المستمع بأصوات عدد من المطربين الحلبيين الكبار الذين اشتهروا بأداء هذا اللون الغنائي أمثال: (صباح فخري)، و(محمد خيري)، و(عبد القادر حجار)، و(مصطفى ماهر)، و(سحر)، و(مها الجابري). فأضحت القدود بذلك جزءاً أساسياً ضمن الوصلة الغنائية الحلبية».
كما بيّن الباحث الموسيقي (محمد قجة) بأن مدينة حلب قد بنت لنفسها، ولتقاليد القد الحلبي قواعد وأسس واضحة، بقوله: «وخلال القرون الخمسة الماضية كان هذا الفن يتطور في حلب ويتفاعل مع عناصر البيئة المحلية، وأصبح له صورته الفنية المستقلة بالإيقاع والضرب والأداء والكلمة، وتجاوزت ضروبه بفروعها وتفاصيلها المئة، وأصبحت لها قواعدها وأسسها وتقاليدها، وبلغ هذا التطور ذروته في القرن الماضي نصاً ولحناً وغناء».
وبهذا تكون القدود الحلبية فناً أصيلاً، ولوناً طربياً سورياً عريقاً احتضنته مدينة حلب، وساهمت في بلورة أسسه وقواعده، وأنجبت كثيراً من المطربين والمنشدين الذين حملوا على عاتقهم مهمة صونه، والحفاظ عليه، ليُسجل لاحقاً تراثاً في سفر العالمية باتت مسألة حفظه وحمايته قضية إنسانية.

التاريخ: الثلاثاء21-12-2021

رقم العدد :1077

 

آخر الأخبار
ماذا لو عاد معتذراً ..؟  هيكلة نظامه المالي  مدير البريد ل " الثورة ": آلية مالية لضبط الصناديق    خط ساخن للحالات الصحية أثناء الامتحانات  حريق يلتهم معمل إسفنج بحوش بلاس وجهود الإطفاء مستمرة "الأوروبي" يرحب بتشكيل هيئتَي العدالة الانتقالية والمفقودين في سوريا  إعادة هيكلة لا توقف.. كابلات دمشق تواصل استعداداتها زيوت حماة تستأنف عمليات تشغيل الأقسام الإنتاجية للمرة الأولى.. سوريا في "منتدى التربية العالمية EWF 2025" بدائل للتدفئة باستخدام المخلفات النباتية  45 يوماً وريف القرداحة من دون مياه شرب  المنطقة الصناعية بالقنيطرة  بلا مدير منذ شهور   مركز خدمة الموارد البشرية بالخدمة  تصدير 12 باخرة غنم وماعز ولا تأثير محلياً    9 آلاف طن قمح طرطوس المتوقع   مخالفات نقص وزن في أفران ريف طرطوس  المجتمع الأهلي في إزرع يؤهل غرفة تبريد اللقاح إحصاء المنازل المتضررة في درعا مسير توعوي في اليوم العالمي لضغط الدم هل يعود الخط الحديدي "حلب – غازي عنتاب" ؟  النساء المعيلات: بين عبء الضرورة وصمت المجتمع