الثورة – فؤاد الوادي:
بعد أيام قليلة من انتصار حلب نهاية العام 2016، خرج المتحدث باسم النظام التركي إبراهيم كالين ليقول: إن « حلب أحرجت العالم»!؟، وهذا الكلام وثقته مقالة له نشرها في صحيفة «ديلي صباح»، كان عنوانها نفس الكلمات السابقة.
في حقيقة الأمر، وبغض النظر عن المقصود من وراء تلك الكلمات، إلا أنها كانت كفيلة بشرح تداعيات وارتدادات ذلك الحدث الهام بالمفهوم الاستراتيجي، لاسيما لجهة نتائجه وآثاره الكارثية على كل أطراف منظومة الإرهاب والاحتلال، وهذا يُعزى بطبيعة الحال إلى التزاحم والكباش الاستراتيجي الذي كان مرافقاً وموازياً لمعركة حلب آنذاك – أطراف متعددة ومصالح وملفات متشابكة ومترابطة ومعقدة فيما بينها – أي إنها كانت معركة ” كسر عظم ” بين محورين متناقضين بالمشاريع والأهداف والسياسات والاستراتيجيات، محور المقاومة والحق، الذي يضم سورية وروسيا وإيران والصين وحلفاءهم في المنطقة والعالم، ومحور الشر والإرهاب بزعامة الولايات المتحدة وأدواتها ومن يتبعها ويسير خلفها ويأتمر بأوامرها.
كذلك فإن ردود الأفعال التي أعقبت تحرير الأحياء الشرقية من حلب، لاسيما تلك التي صدرت من أطراف الإرهاب، كانت كفيلة بفك شيفرة الهزيمة الأميركية والتركية والإسرائيلية، ونقل الصورة بكل تفاصيلها وخلفياتها لهذا الانتصار الهام الذي أحرج منظومة الإرهاب، ودفع بها إلى عمق المستنقع، مستنقع الهزيمة والعجز والإخفاق، ذلك أن الانهيار المتسارع للتنظيمات الإرهابية كان مؤشراً على انهيار المشروع الصهيو-أميركي برمته، وهذا ما تجسد بعيد الأيام الأولى لتحرير حلب، حيث راحت أطراف الإرهاب وأدواته تتراشق الاتهامات وتتبادل أدوار العجز والفشل.
عدة عناوين رئيسة طبعت وجه المنطقة والعالم بعد انتصار حلب، كان أبرزها وأهمها على الإطلاق، أن الانتصار رسم حداً فاصلاً ما بين مرحلتين، مرحلة ما قبل التحرير ومرحلة بعد التحرير ، وهي المرحلة التي شرعت الأبواب على آفاق ورؤى جديدة من المواقف والسياسات والاستراتيجيات حيال التعاطي مع الأزمة في السورية، وخاصة من قبل الدول والأنظمة والأطراف الداعمة للإرهاب بشكل عام، وهذا كله على قاعدة (أن محاربة الإرهاب هي جزء من الحل في سورية ولا تنفصل بأي حال من الأحوال عن حل الأزمة ).
لقد أسس انتصار حلب لانتصارات أخرى على الإرهاب في بقية المدن والمناطق والأحياء التي يسيطر عليها الإرهاب، سواء بالمعنى العسكري أو بالمعني السياسي والوطني التصالحي، انطلاقاً من كونه مهد بطريقة أو بأخرى وبحكم الترابط العضوي بين الإرهابيين، لانهيار القواعد والحوامل الأساسية لقدراتهم اللوجستية والمعنوية.
على المستوى الإقليمي والدولي فرض انتصار حلب حضوره وبشدة على المشهد حيث طالت ارتدادات الانتصار العمق الحيوي لجميع أطراف الاحتلال والإرهاب والعدوان، لاسيما الطرف التركي، وهذا بحكم الدور الكبير الذي لعبه أردوغان في دعم الإرهاب ومحاربة الدولة السورية، لذلك كان المتأثر الأبرز والأسرع من “انتصار حلب” الذي أتى على ما تبقى من أحلام أردوغان في الشمال، وذلك التأثر تجسد عبر مطالبات الكثير من الأصوات داخل تركيا للنظام التركي بتصحيح وتعديل سياساته ومساراته مع سورية لجهة التوقف عن دعم الإرهاب والخروج من دائرة الأوهام والطموحات الاستعمارية.
لقد خلف تحرير حلب وراءه ركاماً هائلاً من أنقاض الأسئلة وإشارات الاستفهام التي لا تزال تحتل مساحات واسعة في عقول قوى الشر والطغيان والإرهاب، عن حقيقة قوة الدولة السورية التي تؤكد كل يوم بأنها دولة قوية تمتلك جيشاً من أقوى جيوش المنطقة، والأهم من ذلك أنها دولة تمتلك العنفوان والشموخ الحضاري والتاريخي، لذلك كانت على مر التاريخ لا تحارب بقوتها وإرادتها فحسب، بل تحارب بتاريخها وإيمانها الراسخ بشعبها وجيشها العظيم، وقدرتها على صنع الانتصار في اللحظات الصعبة والحرجة