محيط الزوابع هو التسمية التي أطلقها المستشرق برنارد لويس المنظِّر الأكبر للمحافظين الجدد على الجغرافية الممتدة من أفغانستان إلى شمال أفريقيا أو ما أطلق عليه الشرق الأوسط، ويرى لويس وجوب أن تكون محط نزاعات وصراعات تنتهي بتقسيم دولها وشعوبها على أسس عرقية وطائفية ومذهبية ما يجعل من الحماية الخارجية للكيانات الناشئة عن تلك الصراعات ضروره وحاجة للبقاء.
برنارد لويس هذا المستشرق والمنظِّر المعتمد عند سياسيي الغرب وسياساته انطلق لرؤيته للمنطقة من خلال دراسات تاريخية عميقة ومستفيضة، ألف خلالها عشرات الكتب، ونشر العديد من المقالات والأبحاث في أهم وأبرز وسائل الإعلام الغربية والعالمية شكلت عند الكثير من مراكز القرار ومطابخه الأساس والمرتكز لاستراتيجياتها الحاضرة والمستقبلية في تعاطيها مع العالمين العربي والإسلامي بشكل خاص.
في الفترة التي تلت سقوط نظام القطبية الثنائية، وظهور إرهاصات أولى لما سمي نظام عالمي جديد تقوده الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها أوروبا القارة العجوز وفق دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي الأسبق استثماراً في ما سمي الربيع العربي. ولتسليط الضوء أكثر على المنهج الذي اعتمده لويس في تحليله لبنية التفكير والثقافة السائدة في عالمنا العربي والإسلامي، وطبيعة الذهنية القائمة والآليات التي تحكم العلاقة بين الشرق والغرب راهناً ومستقبلاُ من وجهة نظره نرى أنه يحيلها إلى المكون الثقافي والمجمل الكلي الديني وهذا ما نلمس بعض ملامحه في مقال نشر له في مجلة -نيويورك ريفيو -تحت عنوان (أعداء الله )، يقول فيه:
إن الثورات الإسلامية تمتلك بعافيتها وبلاشفتها بالحماسة الشرسة للمجموعة الأولى، وبالثوابت الجامدة للمجموعة الثانية، وبالعنف الدامي للاثنتين معاً، ويقصد بذلك التيارات التي تحركت في الشارع العربي خلال السنوات العشر الماضية.. وينتهي بالقول إنه لن يطول الأمر حتى تفرز هذه الثورات نموذجها النابوليوني أو الستاليني لكي تبلغ ذرا جديدة في حربها ضد ( أعداء الله )، وإذا كانت الثورة الفرنسية قد عرفت خصومها اجتماعياً بالأرستقراطية والثورة البلشفية الروسية اقتصادياً واجتماعياً وأيديولوجياً فإن الثورات الإسلامية تعرف خصومها بمصطلح واحد ووحيد هو ( أعداء الله )، بعد كل ما تمت الإشارة المختصرة في كتابات المنظر الأبرز للمحافظين الجدد وأهميتها في التفكير السياسي والعملي الغربي على ضفتي الأطلسي، وتسليط الضوء عليها عبر وسائل الإعلام ومنابر الفكر والثقافة والعراك الفكري الذي دار حولها، فالغريب واللافت للنظر هو عدم تعامل مراكز القرار وراسمو الاستراتيجيات في عالمنا العربي والإسلامي بالقدر المطلوب والكافي من الأهمية مع ما أطلقه لويس من رؤية مستقبلية صراعية أو رسم استراتيجيات مواجهة ما جعل أكثر بلدان المنطقة وشعوبها يذهبون ضحية لها.
ولعل ما جرى ويجري في منطقتنا العربية خلال السنوات العشرة التي مرت وطريقة استثماره وتوظيفه غربياً وإسرائيلياً هو أوضح دليل على ذلك، وإلا كيف نفسر ظاهرة ركوب ومصادرة ما جرى ويجري من حراك في المنطقة والتحريض الغربي والصهيوني لجهة إدخال المنطقة في دائرة الحروب والاحتراب الديني والطائفي والعرقي والمذهبي تحت عناوين الحرية ومحاربة الاستبداد، وهي مطالب مشروعة ومحقة لكل شعوب الأرض، ولعلنا نكتشف أكثر درجة من درجات التواطؤ والتكاذب الغربي في كل ما جرى ويجري من خلال لويس نفسه عندما يقول:
إن مشكلة الشرق الأوسط – الذي أطلق عليه محيط الزوابع – لا تتعلق بمدى التطابق بين الأصولية والديمقراطية بل بإمكانية وجود أي تطابق بين هذه الأخيرة والدين الإسلامي ذاته، الأمر الذي يعني أن ( حروب الله ) قائمة وحامية الوطيس ما دام أعداء الله يتقاطرون من كل حدب وصوب.
مع مقايسة ومعاينة الواقع الحالي للمشهدية في منطقتنا العربية وجوارها ووضع ذلك في مخبر التحليل السياسي أو حتى اعتماد نظرية المؤامرة، يكتشف الباحث الحصيف أن استدارة ما قد بدأ الغرب في الاشتغال عليها في تعاطيه مع الحالة الإسلامية المتطرفة تمثل حالة انتقال من قتال ومواجهة مع تطرف إسلامي أو إسلام متطرف إلى قتال ومواجهة بإسلام متطرف أي استخدام أداتي للدين الإسلامي وهنا بيت القصيد وروح الفكرة التي أردت الوصول إليها من خلال تلك الإضاءة.
بعد مجازر صبرا وشاتيلا حيث ذهب ضحيتها آلاف الأخوة من فلسطينيين ولبنانيين عقب على ذلك الإرهابي الصهيوني مناحيم بيغن رئيس وزراء الكيان الصهيوني في جلسة لمجلس وزرائه بالقول ): الغوييم يقتلون الغوييم ) واللوم يقع على اليهود؟ والسؤال الآن ترى ماذا كان سيعلق ذلك المجرم على ما جرى ويجري في منطقتنا من دمار وخراب واقتتال خلال العشرية المنصرمة لو كان على قيد الحياة؟ سؤال نضعه برسم التاريخ وأصحاب القرار
إضاءات – د. خلف المفتاح