بقلم: إيهاب زكي – كاتب فلسطيني
على حين غرةٍ نصبح خارج إطار التاريخ، وفجأةً تبدو عشرية العدوان على سورية في غيابة الجُبّ، ونبدأ بالانسياق لحديث ما يسمى عودة سورية للجامعة العربية، وهي عودة من النقطة صفر، وكأنّ الصراع بدأ عقارياً وسينتهي بـ”صلحة عرب”، تبويس لحى وابتساماتٍ من تحت الأضراس وعفا الله عما سلف، رغم أنّ الصراع ما زال قائماً، بل ويزداد ضراوةً ولاعقلانية.
إنّ شنّ العدوان على سورية عسكرياً وسياسياً وإعلامياً وثقافياً ونفسياً، لم يكن نزاعاً عقارياً أو خلافاً على شكل الديمقراطية السورية، ولم يكن تجميد عضويتها في الجامعة العربية على خلفية مشاعر عربية غير ودودة لسورية، بل كان الصراع في سورية هو صراع القرن، حيث اعتبرت الولايات المتحدة، أنّ بقاءها متفردةً كقطبٍ أوحد لقرنٍ جديد يبدأ من سورية، وأنّ ضمان البقاء لـ”إسرائيل” بل وتسيّدها على المنطقة لقرنٍ قادم، لن يبدأ سوى بتحطيم سورية، وتحويلها للدولة الألعوبة في أيدي صبيانية، في حال نجاح ما يُسمى بـ”الثورة”، أو تحويلها لدولةٍ فاشلة في حال فشل الخطة الرئيسية، فتصبح كياناً غير قادرٍ على ممارسة دوره في محيطه، وأعجز من التأثير على تمرير مخططات التصفية، التي تجعل من”إسرائيل” حاكماً مطلقاً للعالم العربي.
وقد كان تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية، خطوة أولى في هذا المسار، وليست خطوة منعزلة، لذا لا يجب البدء من ثانياً، حين مناقشة العودة السورية المفترضة للجامعة العربية، بل يجب البدء من أولاً، حتى لا تُغرقنا فسيفساء التفاصيل عن العنوان العريض، ونبدأ رحلة تيهٍ في البحث المزعوم عن شكل الحكم والديمقراطية، والدستور واللاجئين والانتخابات بإشرافٍ أممي، وتقاسم السلطة وحقوق الإنسان والمعتقلين، وعشرات التفاصيل التي لا علاقة لها بأصل الحرب والاستهداف، وهنا يجب طرح ثلاثة أسئلة، حتى لا نغطي الغابة بالأكمة.
والسؤال الأول، هل اعترفت دول العدوان بهزيمة مشروعها، وهذا يتطلب منها مراجعات أو تنازلات، أم أنّ الأمر مجرد إعادة تدوير لوسائل العدوان؟ والسؤال الثاني، هل استسلمت سورية، وستعطي في السياسة ما رفضته تحت النار؟، والسؤال الثالث، هل الجامعة العربية لم تعد جزءاً من مخطط التصفية وتمرير مشروع ما يُعرف بصفقة القرن، وقررت أن تصبح في صفّ مقاومة مشروعات التقسيم والتفتيت والتصفية؟.
إنّ الإجابة على هذه الأسئلة، والتي تبدو في طبيعتها إجابات بديهية، تجعلنا نستنتج إذا ما كانت ستكون سورية في قمة الجزائر المقبلة أم لا، كما أنّ المتابع لبعض ما يتم اقتراحه في مبادرات العودة، يستنتج أنّ الهدف من عودة سورية سيكون شكلياً، أيّ عودة غير فاعلة، وعودة لا تمكّن سورية من لعب دورها التاريخي، في الحفاظ على الحقوق والثوابت العربية.
إنّ الأزمة الحقيقية التي يعانيها أطراف العدوان على سورية، تتمثل في جزئيتين رئيسيتين، الأولى هي في الثبات السوري على الموقف، والثانية هي أنّ سورية تزداد قوة، وهي عمود خيمة محورٍ متصاعد، صنع معادلات التوازن في الردع، بل وكلما مرَّ الوقت مال ميزان الردع لصالحه، وهذا ما يجعلهم في حالة تأزم في السؤال عن عودة سورية وشكلها وطبيعتها، بينما سورية أبعد ما تكون عن هذا التأزم، حيث وضوح الرؤية بأنّ عودتها لن تكون على حساب انتصارها أو على حساب دورها أو على حساب وزنها، كقوةٍ حققت نصراً، هو بمثابة حجر الأساس لخرائط القرن الجديد.