الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
كانت مكتبات المراكز الثقافية فيما مضى مزاراً يؤمه هواة القراءة وعشاقها من الأجيال جميعها، من كل حدب وصوب، ليطلعوا على آخر ما أصدرته دور النشر من كتب، وسلاسل، ودوريات، وحديث ما خطته أنامل مبدعين من كتّاب، وروائيين، وفلاسفة، وشعراء، … وسوى ذلك. فكانت تعجّ بروّاد يتخاطفون الكتب، ليركنوا إليها ويجدلوا مما في صفحاتها فكراً يؤسسون عليه رؤاهم، كما كانت تغلي بطلاب الجامعات الذين يبحثون عن معلومة يردفون بها حلقات بحثهم، إلى جانب المفكرين، والباحثين، والقرّاء النهمين الذين استهواهم الكتاب فغدا ديدنهم. أما اليوم، وفي الزمن الذي بات فيه الوصول إلى المعلومة ليّناً وهيّناً وسهلاً، ولا يحتاج سوى إلى وجود هاتف نقّال، أو حاسوب محمول بحوزة أي منا، إضافة إلى انخفاض أهمية الكتاب لدى الأجيال الشابة بالتحديد، وكثرة وسائل الإلهاء التي تميّز العصر الحديث، ولعل في مقدمتها وسائل التواصل الاجتماعي، وسواها. فهل ما زال لمكتبات المراكز الثقافية هذا الحضور الآثر الذي درجت عليه؟؟ وهل ما زال روّادها مخلصين لها؟؟ للإجابة عن هذين السؤالين، والوقوف على واقع مكتبات المراكز الثقافية، وما التحديات التي تواجهها اليوم تحدثنا إلى السيدة رباب أحمد مديرة المركز الثقافي العربي – أبو رمانة التي افتتحت حديثها بالتأكيد على أهمية الكتاب التي لا تبلى، ودوره المهم على الرغم من تعدد المواقع الإلكترونية، ووفرتها، إذ بيّنت أنه: «يشكّل وثيقة حقيقية، وثقافية، ووثيقة لذاكرة التاريخ، إلى جانب كونه وثيقة ورقية ضمن هذا الفضاء الإلكتروني الواسع الذي قد تتوه فيه المعلومة وسط آلاف المواقع الإلكترونية، وتختلط فيه المعلومات الحقيقية بالمغلوطة». وأردفت: «إنه على الرغم من وجود عديد من المواقع الإلكترونية التي كانت دليلاً للمثقف والقارئ، لما امتاز به محتواها من المصداقية والشفافية، غير أن أهمية الكتاب تكمن في ديمومته واستمراريته، فالعلاقة مع الكتاب تختلف عن العلاقة مع الفضاء الإلكتروني، حيث إن معظم روّاد المواقع الإلكترونية هم من الباحثين عن المعلومة السريعة، والقراءات القصيرة، بيد أن القراءات الطويلة والمعمقة يظل الكتاب الورقي هو خير رسول لها». وتابعت حديثها متناولة مكتبة المركز الثقافي العربي في أبي رمانة، إذ أوضحت أن هذه المكتبة: «تُعدّ من أهم المكتبات في سورية، وقد استُعين بها إضافة إلى المكتبة الظاهرية في دمشق لتزويد مكتبة الأسد أثناء إنشائها». وأضافت: «تضم هذه المكتبة نحو ٤٣ ألف كتاب، يأتي ضمنها بعض من أمّهات الكتب القديمة التي تشكل مرجعاً لعديد من الجامعات المعنية بالشأنين العلمي والأدبي، إضافة إلى الكتب الحديثة التي تُزوَّد بها المكتبة بشكل دائم». وعرجت أحمد في حديثها كذلك على واقع هذه المكتبة اليوم إذ رأت أن: «المعاناة الحقيقية لهذه المكتبة بدأت بعد دخول الإنترنت، وتوافر عديد من المواقع الإلكترونية التي سهّلت عملية الوصول إلى المعلومة إلكترونياً، الأمر الذي أثّر سلباً على الكتب والمكتبات، فظُلِم الكتاب، وقلَّ عدد روّاد المكتبات الثقافية بحيث بات مقتصراً على عدد من المتقاعدين، وكبار السن الذين اعتادوا القراءة. فواقع مكتبات المراكز الثقافية اليوم هو واقع مؤسف، وإعادة إحياء هذه المكتبات على أهمية الكتب الموجودة فيها، بات يشكّل تحدياً لمديري المراكز الثقاقية جميعهم في وزارة الثقافة».
وأشارت إلى جملة من العوائق التي تواجهها في هذا الصدد، ولعل في مقدمتها: «نقص الكوادر من الموظفين المؤهلين للعمل في المكتبات من خريجي الآداب والمكتبات، هذا النقص الذي يظهر جلياً حين يبدأ المركز بعمليتي الفهرسة والجرد، ما يضطرنا إلى إغلاق المكتبة لأشهر عدة قد تصل إلى عام كامل بغية استكمال عملية الفهرسة». وعن العمل المشترك بين الوزارات، وضرورة تضافر جهودهم لإعادة إحياء مكتبات المراكز الثقافية، رأت أحمد: «إن تشابك الجهود بين وزارتي التربية والثقافة لإعادة إحياء الكتاب أولاً هو أمر مهم في سبيل إعادة إحياء المكتبات، إذ تجب إعادة إحياء مكتبات المدارس، ولاسيما في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وتوجيه الطلاب من قبل مدرسيهم ومعلميهم إلى ارتياد المراكز ومكتباتها برفقة ذويهم، ما يسهم بالتأكيد في ازدهار هذه المكتبات». مشيرة إلى الجهود الحثيثة، والمحاولات العديدة التي يواصل المركز الثقافي العربي في أبي رمانة القيام بها بغية اجتذاب روّاد جدد لمكتبته، وخاصة من الأجيال الشابة، والتي يأتي ضمنها: «دفع بعض الطلاب ممن هم بحاجة إلى أماكن خاصة للدراسة إلى الاشتراك في مكتبة المركز الثقافي كروّاد لها، الأمر الذي يتيح لهم مكاناً شاغراً للدراسة يمكّنهم في الآن نفسه من الاطلاع على محتوى المكتبة من الكتب. إلى جانب بعض المبادرات الشبابية التي هي من ثوابت المركز كمبادرة (لنقرأ) التي تُقام ضمنها فعاليات عدة بالتعاون مع المكتبة العامة في المركز تتضمن مناقشة أعمال أدبية وروائية، وثابتة أسبوعية أخرى لفرق وأساتذة متطوعين للأطفال من عمر ٥ وحتى ١٣ عاماً في فنون عدة ومن ضمنها القراءة بحيث يساهمون في تعريف الطفل بالكتاب الورقي عبر تشجيعه على قراءته، وإنشاء حوار معه حول ما قرأ، ودفعه إلى كتابة قصصه الخاصة. إضافة إلى معارض الكتاب التي تُقام كل عام في المراكز الثقافية، ونوافد البيع لكتب وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب الموجودة في مداخل هذه المراكز». وختمت أحمد حديثها مؤكدة: «إنه على الرغم من أن التحدي كبير في الحقيقة، وعدد روّاد المكتبات ليس ضمن الطموحات المرجوّة والمأمولة، على الرغم من المحاولات التي تضفي تحسناً ليس بالكبير أو المرغوب، بيد أن العمل مستمر في التسويق للكتاب، والتأكيد على أهميته، ودوره، وحضوره ما سيسهم في إعادة الرونق للمكتبات».
التاريخ: الثلاثاء8-2-2022
رقم العدد :1082