جامعات الشعوب.. المجتمع شريك فاعل

 

الملحق الثقافي:فاتن أحمد دعبول:

 يراهن الكثيرون على» موت الكتاب الورقي» في عصر الرقمنة واللجوء إلى المكتبات الإليكترونية، ولكن الواقع يشي بعكس هذه الاعتقادات الواهمة، فالمكتبات تحتل مكانتها التي تليق بها وتتربع على عرش أهم المعالم التي تدل على مستوى التقدم الحضاري والثقافي لدى شعوب العالم.
ولطالما شكلت المكتبات العنصر الرئيس لصياغة ثقافة المجتمع بما تحفظه من تراث الأمة وتاريخها، وما قدمه علماؤها للحضارة الإنسانية، فهي وقبل كل شيء عصارة فكر وتجارب تمتد لعهود بعيدة تصل الحاضر بالماضي الغابر، ما يشكل جسراً للتواصل والاطلاع على ثقافات متنوعة متكاملة من أجل تطور الشعوب وازدهارها.
وهنا لابد أن نتطرق إلى دور المجتمع الأهلي وبعض المؤسسات الحكومية في تنمية المكتبات العامة وجعلها في متناول أفراد المجتمع، لتحقيق الفوائد الثقافية المرجوة منها، وفي هذا السياق يمكن أن نتوقف عند بعض التجارب الاستثنائية التي استطاعت أن تساهم في وضع لبنات مهمة لمكتبات باتت تشكل دوحة لاكتساب المعرفة وتبادل الآراء، وتشكل مرجعية معتمدة للكثير من الدارسين والمهتمين في الآن نفسه.
د. محمد الحوراني: تفعيل الحضور الثقافي
سعى اتحاد الكتاب العرب في دورته الجديدة متمثلاً برئيسه الدكتور محمد الحوراني إلى تفعيل دور المكتبات والعمل على إنشاء مكتبات في الأرياف على امتداد مساحة سورية، إيماناً منه بضرورة عودة الحضور الفكري والثقافي في أنحاء الوطن جميعه، وللوقوف عند تجربة الاتحاد في تأسيس العديد من المكتبات في الريف السوري، كان لقاؤنا مع د. محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب، فقال:
إيماناً من اتحاد الكتاب العرب بضرورة عودة الحضور الثقافي إلى الأرياف، ولاسيما النائية، عمد اتحاد الكتاب العرب إلى إقامة بعض اللقاءات والأنشطة الثقافية في المحافظات التي انقطعت فيها وتيرة الفعاليات الثقافية خلال فترة الحرب، كما أقام الاتحاد مكتبات ريفية في أكثر من سبع محافظات سورية، حيث أقيمت مكتبات ريفية في أماكن تراجع فيها الحضور الثقافي مثل» الضمير» في ريف دمشق، « المنيذرة» في السويداء، وإزرع وجباب في درعا، وكذلك في أرياف حلب وحماة وطرطوس واللاذقية.
وأضاف: قدم الاتحاد عشرات النسخ من مطبوعاته كهدية لهذه المناطق، وأقام لقاءات ثقافية واجتماعية فيها، فضلاً عن تكريم بعض الشخصيات المجتمعية، والتي لعبت دوراً مهما في الحفاظ على وحدة المجتمع وتماسكه، وقد لاقت هذه الأعمال ارتياحاً كبيراً في المناطق المستهدفة بالعمل.
ومن جهة أخرى قام اتحاد الكتاب العرب بتقديم إهداءات لعشرات المدارس في معظم المحافظات السورية، وبواقع لا يقل عن 200 كتاب في معظم الحالات، ويصل إلى 500 كتاب في بعضها الآخر.
لقاءات إبداعية
وقام الاتحاد بلقاءات شبابية في دمشق وغيرها من المحافظات، بعضها كان في الجامعات وبعضها الآخر في مراكز ثقافية أو تجمعات أهلية كاللقاء الذي تم في محافظة حماه في مدينة كفر بهم، أما اللقاءات الجامعية فكانت في جامعة حلب وحماة والقنيطرة وغيرها، وهذا من أجل رعاية المواهب الإبداعية والشبابية، وإيماناً منه بتقديم كل ما يمكن للشباب السوري، فقد أقام اتحاد الكتاب العرب عشرات المعارض لمنشوراته في المحافظات السورية جميعها تقريباً، بما في ذلك الحسكة ودير الزور ودرعا والقنيطرة.
وقدم الاتحاد كتابه للطلاب بشكل مجاني، بحيث لم يتجاوز سعر الكتاب 200 ليرة سورية، ولما كان البعض على قناعة بتراجع القراءة والاهتمام بالكتاب الورقي في وطننا العربي عموماً وفي سورية خصوصا بسبب الحرب، فإن معارض اتحاد الكتاب العرب أثبتت زيف هذا الكلام، وأكدت أن هذا الشعب مازال يعشق القراءة والكتاب، وأن عزوفه في بعض الأحيان عن شراء الكتاب الورقي عائد للضائقة الاقتصادية التي أصابته أولاً، ولغلاء سعر الكتاب الورقي غلاء فاحشاً لا يتناسب مع دخله المحدود.
بسعر رمزي
وبين رئيس اتحاد الكتاب العرب أن مبيعات كتب الاتحاد بلغت خلال سنة تقريباً أكثر من 60 مليون ليرة سورية، أي أن هناك أكثر من 300000 ألف كتاب تم بيعه في معارض الاتحاد في المحافظات السورية، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على حب شبابنا للقراءة ورغبتهم باقتناء الكتاب الورقي، عندما يتوفر بسعر يتناسب مع وضعهم الاقتصادي.
وهنا يأتي دور المؤسسات الثقافية الحكومية، والتي ينبغي أن تقدم الكتاب للشباب والقراء بسعر شبه مجاني، لاسيما في ظروف كتلك التي نعيشها في بلدنا.
موفق مخول: مشروع وطني بامتياز
من غايات ثلاث انطلق مشروع المكتبة التربوية التي تربعت في أحد أحياء دمشق» حي القصور، وأما الغايات كما فندها الفنان التشكيلي موفق مخول فهي» غاية تربوية، غاية وطنية، وغاية تاريخية»
وفي لقائه حول أهمية هذه المكتبة ودور المجتمع الأهلي في إغنائها بالكتب يقول الفنان التشكيلي موفق مخول: إن الهدف الأول هو دعم القراءة لدى طلاب المراحل التعليمية الأولى، إلى جانب المكتبات المدرسية وإعادة العلاقة بين الطلاب والكتاب بعد الجفاء الذي أفرزته عوالم التكنولوجيا الحديثة.
وكانت البداية من جمع الكتب القديمة التي تعنى بالمناهج المدرسية وبعض المقررات التي كانت متداولة منذ العام 1910 لنواكب تطور تلك المناهج حتى نصل إلى الوقت الحالي.
وبدأنا بتأهيل ذاك القبو المهجور في مدرسة عبد القادر أرناؤوط بتدوير بقايا البيئة حتى أصبح جاهزاً لاستقبال الكتب، كما أنشئت الحديقة التبادلية للكتاب تحت عنوان» أعطني كتابك وخذ كتابي» بحيث يضع الزائر كتاباً قد قرأه ويأخذ بدلاً عنه كتاباً جديداً، وكان الهدف إخراج الكتب إلى الحديقة والأماكن العامة، ونحن بذلك نؤسس لثقافة تداول الكتب ولسلوكيات جديدة بين الناس في تبادل المعلومات والخبرات.
إهداءات قيّمة
والمكتبة تتبع في تأسيسها لوزارة التربية في دمشق، وتضم نحو 150 كتاباً، في معظمها مقدم كإهداءات من بعض الشخصيات الثقافية والفنية، وكانت البداية من المخرج المعروف علاء الدين كوكش الذي قدم 25 ألفاً، وأيضاً الفنانة فيلدا سمور نحو3000 كتاب، وعبد المسيح بطرس 4000 كتاب، وقدم الأديب أحمد برقاوي 5000 آلاف كتاب، كما أهدى المخرج سمير ذكرى مكتبته كاملة ووضعها في خدمة الزائرين.
وهذا ما يؤكد دور المجتمع الأهلي في دعم المشاريع الثقافية والتربوية وتزويد المكتبات بالعديد من أمهات الكتب الهامة، إيماناً منهم أن بناء الإنسان يأتي قبل أي بناء آخر، وتخبرنا اللافتات عن قائمة طويلة من المتبرعين ومنهم» د. هزوان الوز» وبعض الورثة الذين يتبرعون بمكتبات كانت لذويهم.
علاقة روحية
وبين مخول بدوره أن المكتبة في أهدافها ودورها هي مشروع حضاري وثقافي من شأنه إعادة العلاقة الروحية مع الكتاب، بعد أن أصبحت علاقتنا معه علاقة غربة وجفاء بسبب التكنولوجيا التي أثرت سلباً على الكتاب، منوهاً بالتفاعل الكبير مع هذا المشروع من قبل فئات المجتمع ومواقع التواصل الاجتماعي، كتأكيد على تعطش الناس لهذه الأفكار، ودليل حب السوريين وشغفهم بالثقافة وترقبهم لأي مبادرة من قبل المؤسسات الحكومية أو حتى المنظمات والجمعيات الأهلية.
وأضاف: إن الكتاب مشروع وطني وإنساني، وبعد الحرب التي تعرضت لها سورية، بات من الأهمية بمكان أن نعيد بناء العلاقات الإنسانية والاجتماعية على أسس ثقافية وإنسانية، ولا شك إن الكتاب يلعب دوراً هاماً في هذا الشأن الهام.
المكتبة التربوية والحديقة التبادلية تفتح أبوابها لجميع عشاق الكتاب الذي يشكل وقبل كل شيء ذاكرتنا العلمية والفكرية والأدبية، وهو في مضمونه يحمل قيمة للزمن وللإنسان ونوعاً من القدسية الإنسانية، فالكتاب ليس هو فقط ثقافة معرفية وحسب، بل هو سلوك إنساني واجتماعي.

التاريخ: الثلاثاء8-2-2022

رقم العدد :1082

 

 

آخر الأخبار
دير الزور.. منظمات مانحة تدعم تنفيذ مشاريع المياه خطوط الصرف الصحي خارج الخدمة في الحسينية.. والبلدية تعمل على الحل انتقادات مصرية لمطالبات ترامب بشأن قناة السويس الفاعل مجهول.. تكرار سرقة مراكز تحويل الكهرباء في "عرطوز والفضل" Shafaq News : مؤتمر للأكراد لصياغة موقف موحد لمستقبل سوري دمشق وبغداد.. نحو مبدأ "علاقة إستراتيجية جديدة" "الأونروا": نفاد إمدادات الطحين من غزة الاحتلال يقتل 15 صحفياً فلسطينياً بأقل من 4 أشهر درعا: مناقشة خطط زراعة البطاطا في المحافظة خطة لدعم التجارة الخارجية وإرساء اقتصاد السوق الحر في ظلّ تداولات وهمية.. سعيد لـ"الثورة": وضع إطار تشريعي للتعامل بـ"الفوركس" الفنادق التراثية.. تجربة مشوقة للإقامة داخل المدن القديمة "مياه دمشق وريفها" تقرع جرس الإنذار وترفع حالة الطوارئ "طرطوس" 20 بالمئة إسطوانات الغاز التالفة "نيويورك تايمز" ترجح أن يكون "وقود صاروخي" سبب الانفجار في ميناء إيراني تطوير خدمات بلديات قرى بانياس وصافيتا "صحة درعا".. أكثر من 293 ألف خدمة خلال الربع الأول هل تُواجه إيران مصير أوكرانيا؟ نمذجة معلومات البناء(BIM) في عمليات إعادة إعمار سوريا "رؤية حوران 2040".. حوار الواقع والرؤية والتحديات