الثورة- حسين صقر:
يظن الكثير من الناس أن بلوغ سن التقاعد يعني نهاية الحياة، لكونهم يفهمونه بأنه مرحلة المكوث بالمنزل والمرض وتناول الدواء وانتظار أوراق السفر النهائي إلى دار الخلود، ولكن التقاعد في الحقيقة ولدى المتفائلين إيذان ببدء حياة جديدة ملأى بخبرات جديدة ومعارف وإقامة علاقات اجتماعية وعملية من نوع آخر، يكسر من خلالها المتقاعد الروتين المعروف، والذي يحلل مصطلحه العوام إلى جزأين ” مت وأنت قاعد” ..
في الحقيقة التأسيس لما بعد مرحلة التقاعد ، يجب أن يبدأ منذ اليوم الأول للوظيفة والارتباط بالعمل، لأن ماهو ليس نبعاً، سوف ينضب، والأيام تمر بسرعة، وعجلة الزمن مستمرة بالدوران، وكل منا يتذكر اليوم الأول له بالعمل، وعندما يجلس مع ذاته ويعد السنوات التي مضت يظنها كانت بالأمس، لأن العمر فعلاً غفلة، ويمر بسرعة البرق، لكن الحاضر دائماً صعب ..
وبعودة للتقاعد بعد وصول قطار رسالتك في العمل إلى محطة الراحة، لا يعني أنه كما أسلفنا نهاية الحياة، بل هو مرحلة مهمة وجزء حيوي منها، خاصة وأن هذا المتقاعد أدى مهامه الموكلة إليه بتربية أبنائه، وقد يكون مستقراً مادياً وناضجا عقلياً، وهناك بعض القضايا فقط التي تحتاج إلى ترتيب وإعادة هيكلة كي يكوّن سعادته هو ومن بقي معه من أفراد المنزل، وذلك عبر تقسيم العمل، وتوزيع المهام.، عندها تكون الرسالة الأعمق بالحياة قد بدأت سطورها الأولى، ولاسيما أن الإنسان لا يستطيع العيش دون دافع قوي، فهو دائم البحث عن معنى لحياته، وعندما يتمكن من الإجابة بشكل جيد عن الأسئلة الكبيرة المتعلقة بحياته الجديدة، ومنها ما هو دوري في الحياة الآن؟ وما المهم بالنسبة إليّ وماذا يفترض أن أفعل؟ خصوصاً بعد إتمامه أدواره السابقة الأسرية والمهنية، فإيجاد المعنى في الحياة يعتبر أساساً للبقاء، والعثور على معنى في حياة المتقاعد ليس فقط مهماً لتحقيق أهداف ومكاسب مالية، بل ضرورة للتوازن النفسي والاجتماعي.
بعض الزملاء والأصدقاء يفكرون فعلاً بعمل جديد، والبعض الآخر يتساءل عن قدرته في تحقيق ذلك، لكن للأمانة، لا تنحصر المسؤولية فقط بالمتقاعد، وعلى الدولة دراسة الأمر والتفكير فيه بشكل جدي، عندها فقط تكسب تلك الشريحة، وتبث في عروقها الحياة والطمأنينة والهدوء، و ذلك من خلال تهيئة الأرضية المناسبة لهؤلاء، وبدل من أن يسدل من دخل سن التقاعد الستار على مرحلة من مراحل عمره المليئة بالتحديات، تكون مرحلة عامرة بالإنجازات والتقدير الاجتماعي والمهني، خاصة وأن هذا الشخص أصبح ملكاً لنفسه، ولا يشغله شأن، لكن هذه الحرية التي تنالها عن طريق التقاعد تحتاج إلى رسم وتخطيط حتى تستثمر هذه المرحلة بشكل صحيح لتكون فترة مريحة وسعيدة.
قد يقول قائل: إن الظروف المادية للموظف لا تسمح بتأمين عمل أو مصلحة يعمل من خلالها، لأنه يقضي عمره ملحوقاً، فكيف وقد خاض غمار مرحلة صعبة من الحرب الإرهابية على سورية، ونحن نقول: الحياة لم تغلق أبوابها أمام أحد، وإذا لم يكن مشروع العمل فردياً قد يكون جماعياً يضم زملاء العمل، حيث بالتعاون والتعاضد تتحقق المعجزات، وبعودة إلى الذاكرة ترى أنه قبل بدء كل مرحلة كنت تحتار قبل أن تختار، وتنتقي الأفضل حتى تصل، فتمر بمراحل الانتقال الدراسي وبعدها فترة اختيار الجامعة والتخصص ثم البحث عن العمل، فكل عمر له مرحلته وكل مرحلة تحتاج إلى تخطيط.
ومع ازدياد أعداد المتقاعدين أصبح هناك ضرورة لإرشاد وتوجيه هذه الفئة، و أكثر ما تحتاجه هذه الفئة التخطيط،
ومخطط التقاعد يقوم على تكوين شيخوخة صحية، تبدأ من مرحلة الشباب بممارسة الرياضة واتباع نمط العيش الصحي، والتركيز على أهمية “العمل بعد التقاعد”، بأنه متعة وصحة بدنية وعقلية.
وعادة ما يعود الإنسان بعد التقاعد إلى ممارسة أنشطته وهواياته التي أهملت بسبب الضغوط المهنية، لتتحول بعض تلك الهوايات إلى وسائل لقتل الفراغ، ومن الممكن أن تكون مصدر رزق تدر على المتقاعد مردوداً مادياً هذا لمن له هوايات.