الثورة – تحقيق – جهاد الزعبي:
تعتبر ظاهرة التسول ظاهرة ملازمة للمجتمعات منذ القديم، وتختلف طقوس ممارستها من منطقة لأخرى وذلك حسب الظروف المادية لسكان كل منطقة، وسابقاً كانت موسومة بغالبية ممارسيها بفئة من الأفراد والجماعات ممن امتهنوا تلك الطريقة لكسب عيشهم دون أعمال مجهدة.
* ظاهرة متوارثة..
قُبيل سنوات الحرب العدوانية على سورية عام ٢٠١١ كانت أعداد المتسولين بمدينة درعا ومناطقها تقتصر على بعض الجماعات المتنقلة الذين اشتهروا بتلك الصفة، وكنا نرى بعض الأطفال القُصَّر والنساء والرجال بمختلف الاعمار يمارسون تلك “المهنة” المتوارثة بأساليب مختلفة ليكسبوا عيشهم منها، وتعتبر تلك الحالة عبارة عن طقوس حياتية ورثوها منذ عشرات السنين.
* تعددت الأسباب..
رصدت ” الثورة” في جولة ميدانية بعض حالات التسول في درعا، حيث أكد طفل متسول في العاشرة من عمره أن والده متوفى ولا يوجد معيل لهم، وبالتالي امتهن التسول للحصول على ثمن الخبز والطعام لأخوته.
وفتاة بعمر ١٤ سنة تلبس ثياباً رثة بينت أنها من أسرة فقيرة، وتركت المدرسة لإعالة والدها في كسب لقمة العيش.
بينما أكد طفل آخر أنه يكسب من التسول أموالاً جيدة ويستطيع شراء حاجات أسرته التي فقدت الأب والأم خلال سنوات الحرب على سورية.
وأوضحت سيدة عمرها خمسون عاماً أن زوجها مصاب ومقعد ولا يستطيع العمل، وبالتالي اضطرت للتسول لسد حاجة بناتها وتأمين الخبز والطعام.
وفاجأنا شاب بمقتبل العمر حيث قال إن التسول عملية مربحة وأفضل من العمل المجهد وبأجر قليل، وقد ترك المدرسة لأن في هذا اختصار للوقت والجهد الذي كان سيمضيه على مقاعد الدراسة، معتبراً أن طريق العلم طويل والوظيفة لم تعد تؤمن للفرد حاجاته.
وكشفت متسولة أنها اضطرت للتسول للحصول على مال لإجراء عملية جراحية لابنتها المعاقة.
* انتعاش الظاهرة..
ازدات ظاهرة التسول بدرعا بشكل ملحوظ ما بعد عام ٢٠١٨، في ظل عودة الأمان، وبروز شريحة اجتماعية فقيرة معدمة أفرزتها ظروف الحرب العدوانية والحصار الظالم على سورية كما قالت مديرة الشؤون الاجتماعية والعمل بدرعا “نبال الحريري”، مؤكدة أن ظاهرة التسول تراجعت خلال سنوات الحرب على سورية وأصبحت شبه منقرضة بمدينة درعا وحتى في الريف، وبعد عام ٢٠١٨ عادت تلك الظاهرة للانتعاش مجدداً، وأصبح يمارسها أشخاص ليسوا من تلك الفئة المرتحلة التي تحدثنا عنها فقط، بل من عامة الشعب وهي شريحة تضررت خلال سنوات الحرب على سورية ولم تجد عملاُ يدر عليها ثمن قوت يومها، وبالتالي لجؤوا للتسول.
وكشفت الحريري أن المتسولين يرتادون المناطق التي يكثر فيها المطاعم والحدائق والأسواق التجارية وبيوت الميسورين، لكسب المال، وخاصة بعد حالة الأمان والاستقرار التي تشهدها المحافظة.
* مكافحة التسول..
وبينت الحريري أن لدى مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بدرعا، مكتباً متخصصاً بمكافحة التسول، ويمارس مهامه بالتعاون مع الوحدات الشرطية المعنية، ويتم القيام بالجولات بشكل دائم.
* نقص بالعاملين..
وأوضحت الحريري أن هناك نقصاً كبيراً بأعداد العاملين والمرشدين الاجتماعيين في مكتب مكافحة التسول، بالإضافة لقلة سيارات الخدمة للقيام بالجولات، وعدم كفاية مخصصات الوقود.. وبالتالي هذا يؤثر بشكل وآخر على العمل.
* مبادرات خيرية..
وكشفت “الحريري” أن الجمعيات الخيرية والمتبرعين بالمحافظة كانت لهم أياد بيضاء في دعم الأسر الفقيرة من خلال الكفالة وتقديم الدعم المادي أو الإغاثي من كساء وطعام ودعم طلبة المدارس من أبناء الفقراء حسب الإمكانيات المتوفرة.
* لا يوجد مركز لتأهيل المتسولين..
وأوضحت “الحريري” أن المحافظة تفتقر لمركز لتأهيل الأحداث المتسولين وفي حال تم ضبط طفل متسول يتم إرساله للجهة المختصة لتصويره وكتابة تعهد بعدم التسول مرة أخرى، وفي حال تكررت الحالة يتم اتخاذ إجراءات قانونية أشد.
* وختاماً..
نؤكد أن ظاهرة التسول انتعشت بشكل ملحوظ بدرعا مؤخراً نتيجة الظروف المعيشية الصعبة بسبب الحصار الجائر على سورية وغلاء مستلزمات العيش من غذاء وملابس وغيرها.