الثورة – محمود ديبو:
في أوقات الحروب والأزمات تستدعي الحاجة إلى البحث عن حلول غير تقليدية ومعالجات تخرج في شكلها ومضمونها عما كان معتاد في أوقات الرخاء، واليوم ومع استمرار تداعيات الحرب العدوانية الكونية على بلادنا والضائقة الاقتصادية التي تعصف بمقدرات البلاد نتيجة لذلك، وللعقوبات والحصار الجائر من قبل دول العدوان، فإن الكثير من الإجراءات والخطوات التي كان معمول بها أصبحت شبه معطلة وغير قابلة للتنفيذ، خاصة فيما يتعلق بالاستيراد والتصدير والإنتاج والتوزيع والتسويق وغيرها.
فمن بين المشكلات التي تواجه الأداء الاقتصادي اليوم هي توافر القطع الأجنبي اللازم للاستيراد، وعدم استقرار أسعار العملات نتيجة الأوضاع السائدة، الأمر الذي يحدُّ من قدرة الجهات المعنية وحتى الموردين من توفير بعض السلع والمنتجات والتجهيزات اللازمة، وهذا الأمر ينعكس على توافر بعض تلك السلع في أسواقنا المحلية ودخول أنواع منها بشكل غير نظامي إلى الأسواق وبيعها بأسعار مرتفعة.
من جهة ثانية يمكن الحديث عن مشكلات في تصدير الفائض من إنتاجنا المحلي السلعي أو الزراعي الأمر الذي يضعف حلقات الإنتاج ويحد من إمكاناتها وقدرتها على الاستمرار في العمل.
من خلال هذين المعطيين يمكن طرح فكرة العودة إلى أحد أدوات التبادل التجاري القديمة التي نشأت قبل اعتماد النقد كأداة للتبادل السلعي بين الأفراد والدول والمجتمعات، وبالتالي يمكن التفكير باستخدام مبدأ المقايضة في العديد من عمليات الاستيراد والتصدير بحيث يتم تصدير (مقايضة) الإنتاج المحلي المتوافر بكثرة في البلاد والذي يواجه مشكلات في التسويق والتصريف، بمنتجات من بلد آخر لديه ما نحتاجه من سلع ومواد غذائية وغيرها بهذا المبدأ.
وهنا يمكن أن تساهم كل من وزارتي التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والاقتصاد، بهذه الفكرة، على سبيل المثال يمكن أن تقوم وزارة التجارة الداخلية عبر أذرعها ومؤسساتها باستجرار كميات من محصول الحمضيات والتفاحيات والرمان وغيره من المحاصيل الزراعية غير المسوقة أو التي يصعب تصريف كامل إنتاجها في الأسواق المحلية، وتقوم بـ (مقايضتها) مع منتجات من بلد آخر بحيث تكون أسواق ذلك البلد قابلة لاستقبال كميات من منتجاتنا، ويتم احتساب أسعار السلع المصدرة، والقيام باستيراد سلع ومنتجات بما يوازي قيمتها دون أن يحتاج الأمر إلى قطع أجنبي، وبحيث يتم هذا بأقل تكاليف ممكنة لا تتعدى أجور الشحن النقل.
وبالتالي هنا نجد أن حزمة من المشكلات قد وجدت طريقها إلى الحل دفعة واحدة وتحققت قيمة مضافة من منتجاتنا تنعكس على الفلاح وعلى المُصَدر وعلى المستهلك أيضاً الذي سيتمكن من تسوق منتجات مستوردة بتكاليف أقل وبسعر أنسب، وانتفت الحاجة إلى القطع الأجنبي لإتمام عمليات الاستيراد.
وإن كانت المقايضة أداة قديمة إلا أنها ما تزال صالحة في كل زمان ومكان تبعاً للظروف والمستجدات، وتبدو في وقتنا الحالي قابلة للاستخدام بعد إجراء التفاهمات الضرورية مع المعنيين في البلد الذي ستتم معه صفقات الاستيراد والتصدير بموجب المقايضة.
ويمكن أن يتسع المجال للحديث عن سلع أخرى صناعية كالألبسة والأحذية والجلديات وباقي المنتجات الصناعية المختلفة التي قد تجد سبيلها إلى أسواق بلدان أخرى، على أن يتم تصديرها (مقايضة) مع سلع ومنتجات من تلك البلاد ولعل في هذا مصلحة للطرفين من منتجين ومسوقين ومستهلكين..